أمينة خيري
مجريات سوريا تقدم لنا دروساً معتبرة.. في العلوم السياسة والمصالح والتوازنات والمعادلات. إنها القواعد التي تخلع وجه السياسي النظري الذي يدرس سنة أولى علوم سياسية.
ما نعرفه من العلوم السياسية.. باعتبارها قواعد السياسة والقوة في داخل الدول، وبين بعضها البعض، والأفكار السياسية والأيديولوجيات والمؤسسات وقواعد صناعة واتخاذ القرارات، والجماعات والطبقات والحكومات والدبلوماسية والقانون الدولة والاستراتيجيات وقوانين الحروب وغيرها في كفة، وما يجري في العالم.. في كفة أخرى تماماً.
ما يجري في سوريا؛ من إسقاط نظام «ديكتاتوري» «قمعي» «ظالم».. على يد جماعة مسلحة، – أو فلنقل «معارضة مسلحة».. حتى لا يغضب المبتهجون المحتفلون المتفائلون – أمر يستحق القليل من التفكير. جماعة.. أصلها ومنبتها متراوح بين القاعدة وداعش، وقائمة أسماء آبائها الروحيين يشملون تشكيلة معتبرة؛ منها – على سبيل المثال لا الحصر – أسامة بن لادن وأبومصعب الزرقاوي وأبوبكر البغدادي.
أسماء الجماعة السابقة – من «دولة الإسلام في العراق والشام».. إلى «جبهة النصرة».. ثم «هيئة تحرير الشام» وحالياً «الجهات الحاكمة في سوريا» لحين إشعار آخر – لا تعني الكثير. ليس هناك ما هو أسهل من تغيير الاسم، أو تعديل دولاب الملابس، أو الذهاب إلى الحلاق. أما ما في القلب والعقل، فلا مجال لإخضاع المحتوى للتجميل، أو التعديل أو التحديث.
عبارات لوم وغضب كثيرة.. يوجهها سوريون – وكذلك مصريون – إلى من يرى في مجريات سوريا بداية نهاية سوريا، وهي نهاية لن تقف عند حدود سوريا، بل ستمتد إلى ما عداها. أتفهَّم رغبة البعض من غير معتنقي فكر الإسلام الجهادي.. الفرحة بسقوط نظام ديكتاتوري، لكن ما لا أفهمه.. هو الإيمان بأن نظام الحكم الجديد قابل للتغيير أو التعديل.. في حال لم يعجب السوريين.
وهنا، تفرض بعض الأسئلة نفسها: هل يمكن إنكار اعتناق نسبة – كبيرة في الأغلب – من أصحاب الشأن.. فكر الإسلام السياسي المتشدد، وهو ما يعني قبولاً شعبياً ما بتنظيم القاعدة – أو مسمياته المختلفة – حاكماً للبلاد، أو ما تبقى منها؟ وهل يمكن لعاقل.. أن ينكر أن هذه الجماعة، تحظى بتأييد دولي غير مسبوق؟ التأييد درجات وأنواع، منه الامتناع عن حماية نظام الأسد.. مع معرفة يقينية بأن هذا الامتناع سيؤدي لسقوطه، وتسليح الجماعات وتدريب مقاتليها، والسكوت التام عما جرى.. ولو حتى بقرش شجب وتنديد، والقائمة طويلة.
لو ذكر مختل قبل سنوات قريبة.. أن أمريكا قد تتصالح مع القاعدة، أو تقبل بها أو بأي من انشطاراتها.. حليفاً أو صديقاً أو حاكماً، أو حتى محكوماً.. لقلنا إن اختلاله يستوجب رعاية عصبية فورية.
ولو تخيل أحدهم قبل أشهر.. أن العالم الغربي – المُصنِّف للقاعدة وبناتها.. ومنها «جبهة النصرة» جماعة إرهابية – قد يطرح شروطاً لقبولها، والاعتراف بها، والتعامل معها.. لتملكه الفزع مما أصاب قواه العقلية.
نقلا عن «المصري اليوم»