عبدالله عبدالسلام
حتى الثلاثاء الماضي، كانت سوريا قد نسيت – إلى حد بعيد – حربها الأهلية.. التي اندلعت عقب الثورة الشعبية عام 2011. خطوط الفصل بين القوى التي تتقاسم البلاد هادئة. الحكومة تسيطر بدعم روسي-إيراني على حوالي 65٪ من مساحة البلاد، بما في ذلك معظم المدن الكبرى. قوات سوريا الديمقراطية – ذات الغالبية الكردية السورية، والمدعومة أمريكيّاً – تستولي على 25٪ من الأراضي شمال شرق سوريا. هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة مع تركيا تستحوذ على المساحة الباقية شمال غرب البلاد.
خلال السنوات الماضية، استقر المتمردون من هيئة تحرير الشام – المرتبطة سابقاً بتنظيم القاعدة – في مناطق جبلية بالريف السوري، لكنهم فجأة، واعتباراً من الأربعاء الماضي، أصبحوا يتجولون وسط شوارع حلب.. ثانية كبرى مدن سوريا، ويلتقطون الصور أسفل قلعتها الشهيرة، بينما يمزقون صور رموز النظام الحاكم، ويتقدمون في مناطق أخرى عديدة. لقد حققوا أكبر اختراق لهم منذ سنوات. فصائل المعارضة وحّدت صفوفها، وباغتت الجيش السوري.. الذي لم يتوقع الهجوم، حيث لم تكن هناك نقاط دفاع حقيقية.. داخل المدينة. جيروم دريفن – من مجموعة الأزمات الدولية – قال: «بمجرد وصول المتمردين إلى حلب، وجدوا أن كل شيء مفتوح أمامهم». الجيش السوري برر ما حدث قائلًا: «العدد الهائل للمتمردين، وتعدد جبهات القتال.. دفعا قواتنا إلى تنفيذ عملية إعادة انتشار (انسحاب)، بهدف تعزيز الخطوط الدفاعية.. من أجل استيعاب الهجوم، والحفاظ على حياة المدنيين، والاستعداد لمعركة جديدة».
لقد بدت سيطرة النظام آمنة خلال السنوات الماضية، لدرجة أن الدول العربية – التي ناصبت النظام العداء.. عقب ما جرى 2011 – أعادت العلاقات الدبلوماسية معه. لكن هجوم حلب، الذي جاء في نفس يوم دخول اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان.. حيز التنفيذ، يؤشر إلى مرحلة جديدة من الحرب في سوريا وعليها. لم يكن التوقيت مصادفة. كانت القوى والميليشيات المتمردة تعد العدة.. كي تستغل ما جرى منذ عملية طوفان الأقصى، والعدوان الإسرائيلى على غزة.. لتحقيق تحوُّل في ميزان القوى، بادئة بحلب، التي سيطر عليها الجيش السوري 2016.. بمساعدة روسية إيرانية. إلا أن الأطراف الثلاثة.. التي انتصرت آنذاك، عانت نقاط ضعف خطيرة مؤخراً.
سوريا – التي لزمت الصمت تجاه العدوان على غزة، ثم تكسير عظام حزب الله – لم تنجُ من ضربات إسرائيلية عنيفة.. استهدفت مواقع إيرانية، وتجمعات لحزب الله على أراضيها، إضافة إلى قواعدها العسكرية.
إيران أيضاً، تلقت ضربات إسرائيلية شديدة – مثل نسف القنصلية بدمشق – لكن أخطرها كان إفقاد حزب الله ذراعه العسكرية الأهم.. قياداته وقوته. النتيجة بداية، انكفاء طهران والحزب على نفسيهما. أما روسيا – الداعم الأكبر – فهي مشغولة بأوكرانيا، في ظل محاولات إدارة بايدن إلحاق هزيمة جديدة بها.. قبل تسلم ترامب الرئاسة.
في المقابل، انتهز خصوم الرئيس السوري الفرصة.. لعقابه على مواقف سابقة. الرئيس التركي لم ينسَ رفض الأسد تطبيع العلاقات مع بلاده.. رغم محاولاته المتكررة. كان لافتاً أيضاً أن نتنياهو – قبيل هجوم المتمردين – هدد الأسد بدفع الثمن.. إذا استمر تدفق الأسلحة عبر سوريا إلى حزب الله. ورغم أن واشنطن ادّعَت أنها فوجئت بالهجوم على حلب، فإن تقارير عديدة.. تشير إلى أنها تدعم جماعات المعارضة، وتمدها بالعتاد والسلاح.
خطورة ما حدث، أنه أسقط كل «تفاهمات أستانا» حول سوريا، التي أكدت أنه لا حل عسكرياً، ودعت إلى إنشاء آلية مراقبة لضمان وقف إطلاق النار، وأيضاً «اتفاقية سوتشى» لخفض التصعيد.. بإنشاء مناطق منزوعة السلاح بين النظام والمعارضة شمال غربي البلاد 2019، كما فتح الباب أمام كل الاحتمالات.
تجدد الصراع فى سوريا، لا يرتبط فقط بموازين القوى بين النظام والمعارضة، بل بتصميم أمريكي-إسرائيلي.. على تقطيع أوصال ما يُعرف بـ«قوى الممانعة أو المقاومة».
بدأ الأمر بحماس، ثم حزب الله، والآن سوريا، وفي الطريق إيران.
نقلاً عن «المصري اليوم«