محمد أبوالغار
أستاذة العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة، والمؤسس الرئيسي السابق لقسم البحوث والدراسات والسياسات.. في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، ومنسق وزارة الإسكان للمشروع القومي لتطوير الحفاظ على الهوية المعمارية للبيئة المبنية في منطقة القاهرة الكبرى، قامت بتوثيق العمارة في القاهرة في القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين.. في موسوعة تحديد القاهرة الخديوية للعمارة الحضرية في وسط القاهرة. وكتبت كتاب «الحفظ الحضري وتجديد مناطق التراث في مصر نموذج مشروع أغاخان بالدرب الأحمر».
المسؤولة عن حصر وتوثيق المباني القيمة في القاهرة منذ عام 2013، بدأت العمل كخبير استشاري لمحافظة القاهرة، لمشروع تجديد تراث القاهرة الخديوية، والتنظيم الحضري للشوارع وممرات المشاة، وترميم المباني التراثية. وفازت بجائزة الدولة التقديرية في مجال الفنون والعمارة عام 2022.
والدها د. زكي حواس – أستاذ العمارة ورئيس قسم الهندسة المعمارية في جامعة عين شمس – مقرر لجنة العمارة في المجلس الأعلى للثقافة. تخرج عام 1951 في جامعة القاهرة، وحصل على الدكتوراه من سويسرا، وعمل أستاذاً بجامعة عين شمس. وتحدث عن تحويل الخرسانة إلى آلة موسيقية، وشبه المبنى بالإنسان، وله مؤلفات أدبية وكتب شعراً.
كتبت د. سهير حواس: مبنى هندسة السكك الحديدية المصرية التاريخي.. عاش بيننا محترماً مؤدياً دوره، وكان علامة في تاريخ السكك الحديدية المصرية، وأيضاً موقعه العمراني بالميدان.. وداعاً.
رُفض مقترح هدمه في عهد الرئيس مبارك، لأنه مبنى أثري عمره 110 أعوام، وهو من طراز معماري خاص. وقالت د. سهير حواس.. إن مقترح هدم المبنى، لم يعرض على اللجنة النوعية للمباني التراثية.. لإبداء الرأي حول مقترح المشروع، وسبق رفض هدم هذا المبنى بجميع الآراء، وقالت اللجنة أن المبنى ذو طابع معماري متميز، تم تسجيله وفقاً للقانون 144 لعام 2006. وكذلك في عام 2008 – وفقاً للقانون لا يسمح بإزالة هذا المبنى – وهو أحد الشواهد التاريخية البارزة في القاهرة، وتنوي الحكومة بناء مول تجاري.. مكان جزء من المبنى، وومكان آخر كجزء لتوسيع كوبري أكتوبر.
أعتقد أن غرام الحكومة ببناء مولات، والولع بالخرسانة، وكراهية المباني التاريخية، والسعي إلى تدمير الجمال، وتحويل الأحياء الهادئة إلى أحياء عشوائية.. أصبح مرضاً مزمناً يصعب علاجه.
وقد سألت الدكتورة سهير حواس.. مركز الذكاء الصناعي عن الحل، في حالة اعتراض مبنى تراثي إنشاء طريق جديد.. فكانت الإجابة واضحة؛
أولاً: تعديل مسار الطريق أو الكوبري. وهو ممكن فنياً أن يلتف حول المبنى. أو إنشاء طريق أو جسر.. في حالة استحالة تعديل المسار، أو تخفيض درجة الطريق من رئيسي إلى ثانوي.
وأخيراً: نقل المبنى إلى موقع قريب، مع إعادة تركيبه.
وأثبت المهندسون الخبراء.. أن كل الكوارث التي حدثت من هدم مبانٍ ومقابر أثرية، كان يمكن تفاديها بحلول هندسية؛ لكن يبدو أن البعض لا يريد بذل مجهود، أو استشارة الخبراء.. وهم كثيرون، أو أن خبرتهم محدودة، أو أن المباني الأثرية لا تعنيهم. ولذلك لا يحاولون إنقاذها.
أسباب هدم المبنى غير مقنعة، والغريب أن المبنى الأثري.. التابع لرئيس الوزراء.. بدأ هدمه في نفس يوم الإدلاء ببيان رئيس الوزراء، الذي صرح – في نفس اليوم – بأن «أي مبنى ذات طابع أثري، يخضع لمعالجة خاصة، ولن يسمح لملاكه بالتصرف فيه بالهدم».
شيء غريب ومحير ومحزن ومحبط. وقد قالت د. سهير حواس – في حوار صحفي قبل أيام من هدم مبنى السكة الحديد – أن الالتزام بالقوانين.. هو الأهم، وأن تصريحات المستثمر الخليجي للقاهرة الخديوية إرشادية، وأنه لم يشترِ أو يطور مبنى واحداً. كل هذه الكلمات المطمئنة، أصبحت الآن.. غير مطمئنة، بعد ما حدث في مبنى السكة الحديد.
مبنى هندسة السكة الحديد.. يظهر بالخريطة رقم 5001، الصادرة عن مصلحة المساحة المصرية عام 1935، وجارٍ إزالته وإنشاء مول، وسوف يغير ذلك تماماً الخريطة التاريخية، كما سوف نخسر مبنى تراثياً.. شاهد على تاريخ السكك الحديدية المصرية، كما سيكون سبباً في تغيير سلبي.. في ذاكرة المكان. الدكتورة سهير حواس.. عاشقة لمدينة القاهرة؛ فهي تحب المدينة التاريخية، وقضت عمرها كله في دراسة هذا المكان، وقامت بجميع الأبحاث العلمية والهندسية، وساعدت على توثيق الأماكن الأثرية. وعندها أكبر مجموعة من خرائط القاهرة الخديوية، وعندها أيضا.. خرائط أثرية لمدينة القاهرة.
وقد وثقت كل شارع، وكل حارة، وكل مبنى.. بتفاصيله، وتعرف – بدقة – كل المباني ذات الطابع الخاص، والتي تعتبر أثر. وهي تعمل ليلاً نهاراً في دراسة كل شيء في القاهرة. وتقدم مجهودها للدولة والمحافظة والأحياء واللجان – وبالطبع المحافظ ومجلس الوزراء – إذا أرادوا أن يعرفوا معلومات حقيقية ودقيقة، ونصيحة مخلصة ووطنية.. للحفاظ على مصر.
د. سهير.. عضو في لجان حكومية على مستوى عالٍ، وهذه اللجان تبذل جهداً عظيماً للتخطيط، حتى يبقى كل أثر في مكانه.. محتفظاً بقيمته، لكن واضح أن آراء الخبراء لم تصبح لها أهمية، وعشوائية القرارات سيطرت على كل شيء. الدكتورة سهير تمر وتتجول في قاهرتها التي تحبها، وتلاحظ وترصد أي إهدار للتراث العمراني.
ومن أقوال د. سهير، إن الثقافة ليست فقط معلومات، بل اكتساب خبرات وتجارب تتوافق مع الواقع، والثقافة هي ديناميكية العقول والمفكرين والمبدعين، وكيف تنمي الفكرة وتنشرها. والدكتورة سهير حواس تشارك في النشاطات الجامعية.. في مختلف الجامعات، وحديثاً شاركت في تحكيم مشروع التخرج لقسم العمارة بكلية الفنون جامعة الإسكندرية.
وقد تم تكريم د. سهير من الجامعة الأمريكية، ومن نقابة المهندسين.. على إنجازاتها الرائعة. ومنذ شهرين قدمت الدكتورة سهير عرضاً عن حياة والدها الراحل العظيم، وأستاذ العمارة الكبير الدكتور زكي حواس في نقابة المهندسين، وكان يوماً رائعاً بشهادة الجميع، وتم تكريم الأستاذ الكبير د. علي رأفت.. في نفس اليوم. والدكتورة سهير تحب القط كيتو، الذي يعيش معها في البيت.. يؤنسها وتؤنسه. وتحب الفن والموسيقى، وتسعد بالاستماع إلى كوكب الشرق أم كلثوم، وحضرت حفل افتتاح سينما قصر النيل.. بأغاني السيدة أم كلثوم.
العمارة فن، وبالتأكيد د. سهير تحب كل الفنون والآداب، وتتمتع بها.
في دول العالم الثالث أمراض كثيرة؛ تبدأ بالفساد والدكتاتورية، وعدم احترام القانون، وتدهور التعليم، ولكن في هذه الدول ينبغ بعض أبنائها وبناتها؛ فيقومون بأعمال مذهلة ومستحيلة.. في مناخ صعب العمل فيه. ورغم الإحباطات الكثيرة فإنهم يصرون على العمل حباً في الوطن، وإيماناً بأهمية العلم والعمل، والكفاح في كل الظروف، فينجزون بعض الأشياء، ويفشلون في أشياء أخرى.. بسبب معوقات أنظمة العالم الثالث، لكن – في النهاية – هؤلاء الأفراد في جميع التخصصات.. هم الذين يحافظون على الوطن من الانهيار، ويكافحون لتقدمه.. بحبهم الشديد له ولأبنائه، وإيمانهم الشديد بالعلم والبحث والعمل.
ومن هؤلاء المصرية العظيمة د. سهير حواس. فلها كل التحية.
نقلاً عن «الشروق»