Times of Egypt

سلماوي والطبقة الراقية العالمية! 

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام 

تعرَّفت على الأستاذ محمد سلماوي عام 1991. كنت حديث عهد بالقسم الخارجي في «الأهرام».  

… باعتباره عضواً بالديسك المركزي، راجع أحد الأخبار التي كتبتها، وسأل عني، ثم عملت معه في الدورة المسائية للجريدة.. التي كان يشرف عليها أحد أيام الأسبوع.  

تكتشف للوهلة الأولى، أنه مختلف؛ يجمع المحررين حوله، ويدير نقاشاً راقياً.. عن شتى القضايا. حدثنا عن تفضيله العمل بالصحافة على السلك الجامعي، وعلاقته المهنية بالأستاذ هيكل، وانفراده – وهو الذي كان قد انضم لتوه إلى «الأهرام» – بحوار مع كورت فالدهايم.. فور انتخابه سكرتيراً عاماً للأمم المتحدة عام 1972. أهداني روايته «الخرز الملون» التي تتناول سيرة الكاتبة والمناضلة الفلسطينية جاكلين خوري (1925-1980) رئيس القسم الخارجي بالصحيفة. 

واصل الأستاذ سلماوي رحلة التميز، وانتقل لتأسيس «الأهرام ويكلي».. مع الراحل حسني جندي، ثم أصدر ورأس تحرير «الأهرام إبدو». طوال تلك السنوات وحتى الآن، كنت أبحث عن مفتاح شخصيته الذي أهَّله لهذا النجاح الصحفي والثقافي والأدبي، وكذلك السياسي، بعد ثورة 25 يناير. إلى أن قرأت متأخراً مذكرات السياسي الكبير عمرو موسى «كتابيه.. الكتاب الأول: النشأة وسنوات الدبلوماسية». تحدَّث رمز الدبلوماسية المصرية الأهم منذ مفتتح التسعينيات، عن مزايا أستاذه د. بطرس غالي، ومن بينها «أنه كان جزءاً مما يسمى الطبقة الراقية العالمية وصالوناتها، التي تُمكنك بانخراطك فيها أو اقترابك منها من معرفة الأخبار والإرهاصات السياسية والاقتصادية وتوقعات أحداث قبل وقوعها واستشراف تطورات قادمة». بحسب الأستاذ عمرو موسى، تضم هذه الطبقة كبار السياسيين ورؤساء البنوك والشركات الكبرى وعدداً من الرؤساء، ورؤساء الوزارات وكبار الفنانين والمثقفين والمفكرين حول العالم. 

الأستاذ سلماوي واحد من مصريين قلائل.. يمكن اعتبارهم ضمن تلك الطبقة. الأديب العظيم نجيب محفوظ تنبه مبكراً لذلك عندما اختاره ليمثله، ويلقي كلمته في حفل تسليم جائزة نوبل 1988.  

من بين الأسباب التي ذكرها محفوظ.. أن سلماوي «يمتلك ما يؤهله لهذه المهمة». إضافة لإجادته الإنجليزية والفرنسية، كما لو كانتا اللغة الأم، لديه كل الإمكانات التي تجعله عضواً فاعلاً ومهماً في تلك الطبقة. معرفة حقيقية وعميقة بالعالم.. ثقافياً وفنياً وسياسياً. صلات واسعة مع نخبة العالم الصحفية والثقافية والفنية. مشاركة في الشأن العام المصري وعدم الانعزال في برج عاجي.  

مذكراته التي صدرت من جزأين: «يوماً أو بعض يوم»، و«العصف والريحان»، وكذلك أعماله الروائية والمسرحية، وحتى كتاباته الصحفية، تكشف مدى تميزه عن كثيرين.. غرقوا في المحلية، أو ارتموا في أحضان الغرب، دون قدرة على الجمع الخلاق بين الأمرين. 

للأسف، هذه الطبقة الراقية العالمية – التي وصفها السيد عمرو موسى، وهو بالتأكيد أحد ممثليها الكبار – تكاد تنقرض في مصر.. بعد أن أقمنا «سور برلين» – الذي عزلنا عن العالم سنوات طويلة، وبعد أن تدهور تعليمنا، وتراجعت بعثاتنا الدراسية للخارج.  

أصبحنا مشغولين بأنفسنا، ولا نساهم بفاعلية وإبداع.. فيما يجري عالمياً. الاحتفاء بالأستاذ سلماوي.. في عيد ميلاده الثمانين، تذكير بإحدى أهم سمات مصر.. في عصورها الذهبية.. قدرتها على التواصل مع العالم، والمساهمة في صنعه.  

دعوات بأن يطيل الله في عمره، وعطائه، ونزعته الإنسانية. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة