عبدالله عبدالسلام
وأنا أشاهد كلمة ترامب – عقب لقائه مع نتنياهو بالبيت الأبيض – شعرت أن حديثه موجَّه إلى لجنة نوبل للسلام. خطته الجديدة.. أهم «مستند» للفوز بالجائزة – المقرَّر الإعلان عنها خلال أيام – الكلام عن السلام الأبدي.. الذي سيحققه، وأن هذه اللحظة.. أعظم أيام الحضارة.
… عبارات إنشائية، لا معنى لها ولا صحة. بدا ترامب، كمن ينظر من الطائرة إلى أرض بعيدة؛ ليس مستعداً لرؤية، أو الاستماع لتفاصيل ما يجري فيها. كل ما يهمه العنوان العريض: ترامب يحقق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.. بمباركة الدول العربية والإسلامية.
باعتباره «سمسار عقارات»، فإن مهمته التوصل لصفقة بين الطرفين.. مقابل عمولة سخية. خطته لا تحمّل أمريكا أي عبء. الدول العربية والإسلامية.. عليها إقناع «حماس» بالخطة، ونزع سلاحها، وأيضاً تخليها عن أي دور مستقبلي في غزة.
- القوات التي ستنفذ المهمة.. عربية وإسلامية.
- التمويل خليجي.
- لا دولة فلسطينية في الأفق.
- السلطة الفلسطينية محظور دخولها القطاع.
- ترامب نفسه سيرأس مجلس السلام.. الذي سيشرف على السلطة الانتقالية في غزة.
في المقابل، أعطت الخطة إسرائيل كل ما تريد.. القضاء على «حماس»، وعودة جميع الرهائن.
- انسحابها من غزة.. ستتحدد وتيرته ومداه، بالتقدم في نزع سلاح حماس، وتدمير الأنفاق. وتتوقف الهجمات عليها.
- لو لم تسر الأمور.. كما تريد، أي إذا لم تتمكن القوات العربية والإسلامية من الإجهاز على سلاح «حماس»، وبنيتها التحتية، سيعود جيش الاحتلال.. للعدوان والقتل بدعم أمريكي كامل.
- نتنياهو قال أمام ترامب: «إذا رفضت حماس الخطة، أو قبلتها وبذلت جهوداً لتقويضها، إسرائيل ستُنهي المهمة بنفسها».
نعم، كان نتنياهو يرغب في استمرار الحرب، لكن عزلته الدولية، والنكسات الدبلوماسية.. التي تعرض لها؛ وأهمها الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية، وتفاقم المشاعر المعادية للحرب في الداخل الإسرائيلي، وبالطبع.. ضغوط ترامب؛ أجبرته على القبول بالخطة.. التي حققت له كامل أهدافه؛ لا دولة فلسطينية، لا حماس، لا سلطة وطنية، لا عقاب على جرائم الحرب، عودة للاتفاقيات الإبراهيمية..
قد يواجه صعوبات كبيرة في تسويق الخطة.. لدى شركائه المتطرفين، لكن المعارضة العلمانية مستعدة لدعمه. ستكون هناك انتخابات جديدة خلال عام، وليس مستبعداً أن يفوز بها.
الحديث الآن عن الخطة.. باعتبارها الخيار الوحيد الذي لابد من تنفيذه. لكن كثيرين لا يأخذون عامل «الجنرال وقت» في الاعتبار. هذا الواقع أفشل – مراراً وتكراراً – خططاً وصفقات، حاولت تجاوزه، أو التقليل من أهميته.
- يبدأ الواقع من سؤال: من يرسل قوات إلى غزة، وكيف سيتعامل معه الغزاويون؟ هل ضحوا بـ 66 ألف شهيد، ليصبح القطاع محمية دولية.. يرأسها بلير؟
- هل هذا نهاية مطاف الحلم الفلسطيني.. سلطة وطنية معزولة، وقطاع تحت الوصاية؟
- ثم ماذا عن إسرائيل؟ تاريخها القريب والبعيد يقول.. إنها تعتبر المعاهدات غير «مقدسة». هل تتوقف عن العدوان، وهي التي تسيطر عسكرياً وأمنياً على الحدود؟ هل من مصلحتها إنجاح سلطة بلير؟
ترامب أخذ اللقطة، واعتبر نفسه.. صانع السلام الأهم في التاريخ. لكن تاريخ الشرق الأوسط يقول: إن أي خطة تنحاز لطرف، وتجعل الطرف الآخر غير موجود تقريباً، ليس مكتوباً لها النجاح.
نقلاً عن «المصري اليوم«