Times of Egypt

سقوط بشار.. ماذا تبقى بعد قتل الدولة؟!  

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام 

كان سقوط نظام بشار الأسد منطقياً.. عقب اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، لكن أجهزة التنفس الصناعية الخارجية.. أمدت في عمره 14 عاماً أخرى؛ إيران أرسلت القوات والأسلحة والمستشارين. حزب الله اللبناني حارب معه؛ وكأنه يخوض معركته الكبرى. فصائل عراقية – وأخرى من دول عديدة – جاءت دفاعاً عنه.. باعتباره جزءاً من محور المقاومة، وعضواً فيما عُرف بـ«الهلال الشيعي».. الممتد من لبنان وسوريا إلى العراق وإيران. ثم جاءت روسيا في سبتمبر 2015.. لتثبيت أركان النظام، ومساعدته على هزيمة المعارضة والفصائل المسلحة. 

حقول القتل ملأت سوريا، وراح ضحيتها مئات آلاف المواطنين، وتهَجَّر بسببها الملايين، لكن بقاء النظام – الذي ينتمي بأيديولوجيته وممارساته القمعية وإعلامه.. إلى عصر الحرب الباردة – كان أهم من حياة السوريين.  

رغم الخلافات السياسية بينهما، كان النظام السوري توأم نظام صدام حسين في العراق.. الذي سقط نتيجة الغزو الأمريكي 2003، إلا أن بعض الرشادة في سياسة دمشق الخارجية.. بالقياس إلى صدام أنقذته من الزوال. ليس غريباً إذن أنه انهار. المفاجأة.. سرعة الانزلاق إلى الهاوية. خلال الفترة المقبلة، سينشغل الإعلام والصحافة والمحللون السياسيون بما يحدث في سوريا.. في ظل حكامها الجدد، ويحاولون معرفة طبيعة ما جرى، وكواليس صُنع القرار على أعلى المستويات.. في تلك الأيام الحاسمة، وأسرار الاتصالات بين أركان النظام وداعميه الإيرانيين والروس، والأدوار التي لعبتها إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة. 

لكن هناك قضية محورية.. قد لا نلتفت إليها؛ وهي أن الانهيار السريع.. مرآة عاكسة لهشاشة الدولة السورية ومؤسساتها، وعدم قدرتها على التعامل مع الأزمات؛ مما جعلها تلجأ إلى خيار الانسحاب من مهامها، وتسليم الأرض والقرار إلى الخصوم. هذه الهشاشة.. أصبحت – على ما يبدو – جزءًا لا يتجزأ.. من طبيعة بعض الدول العربية، كما أنها ليست وليدة اليوم. تاريخها ربما يعود إلى نشأة تلك الدول.  

الدولة الهشة.. تتسم بضعف الكفاءة في أداء المهام الأساسية، المنوط بها القيام بها – خاصة الاقتصادية – بشكل يجعل المواطنين فيها عرضة لأخطار عديدة. لكن الجانب السياسي يلعب دوراً مهماً.. في إصابة الدول بالهشاشة وفقدان المناعة، مما يجعلها عُرضة للانكسار، بل السقوط.. في مواجهة الأزمات الخطيرة. الأجهزة التي من المفترض أن تتعامل مع تلك الأزمات.. لا تتصف بالمؤسَّسية، ولا النزاهة والشفافية.  

… جوهرها الفساد، وغالباً ما تتحول إلى هيئات قائمة على الشخصنة؛ بحيث إذا اختفى رئيسها، ينتهي عمل تلك المؤسسات. هذا ما حدث في ليبيا. بوصوله إلى الحكم، قضى العقيد القذافي على ما تبقى من مؤسسات الدولة – التي لم تعُد دولة – بل جماهيرية، تحكمها قرارات وانفعالات وأفكار العقيد الغريبة، وليس الدستور والقوانين. الأمر نفسه حدث في العراق. سقطت كل مقومات الدولة بسقوط صدام.. لأنه كان المقومات ذاتها. 

باستثناء مصر – التي يتجذر فيها مفهوم الدولة.. الممتدة عبر التاريخ، ولأن مؤسساتها قامت على التراكم منذ مطلع العصر الحديث – فإن الدولة مفهوم نظري، أكثر منه حقيقة واقعة.. في معظم عالمنا العربي، الذي نشأت دول كثيرة فيه عقب الحرب العالمية الأولى.. نتيجة اتفاق بريطاني وفرنسي. وحتى الدول التى نشأت، واجهت عدم اعتراف من جانب شعوبها بها. لبنان ظل عقوداً عديدة يرفضه أكثر من نصف شعبه طلباً للوحدة مع سوريا. غالبية السوريين تطلعت إلى وحدة عربية أكبر تتجاوز القطر السوري. ثم أسهمت الانقلابات المتتالية في العراق وسوريا واليمن.. في زعزعة مفهوم الدولة، وإضعاف – إن لم يكن تفتيت – المؤسسات التي تركها الاستعمار عند رحيله. والقبيلة – التي تتجاوز حدود الدول – رسّخت في أذهان بعض العرب.. أن الدولة ستقضي على خصوصياتهم، ونمط حياتهم.. الذي ورثوه عبر مئات السنين. 

سوريا تحديداً.. كانت نموذجاً لعدم الإيمان بمفهوم الدولة؛ سواء اعتبارها مرحلة سابقة على الوحدة، أو من خلال نمط الحكم السائد.. منذ استيلاء الرئيس الراحل حافظ الأسد على السلطة 1970؛ جمع الأسد كل السلطات في يديه.. كما لم يحدث في تاريخ سوريا الحديث. الغريب، أن طريقة الأب – التي أورثها لنجله بشار – كانت تلقى تأييداً كبيراً من مثقفين عرب.. اعتبروا أنها الطريقة الأنجع للتعامل مع القلاقل والاحتجاجات، التي اعتبروها مؤامرة غربية.. تستهدف زعزعة الحكم؛ بل إنهم لم يرفعوا أصواتهم.. عندما ارتكب النظام المذابح في حماة أوائل الثمانينيات. 

في رواية «خبر اختطاف»، للكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز – الفائز بنوبل في الآداب عام 1982 (ترجمة صالح علماني) – يستدعي المؤلف مقولة مشهورة في بلاده: «هناك قطاع من الكولومبيين، قتل النمر ثم خاف من جلده».  

… عرب كثيرون قتلوا الدولة، ثم تباكوا على تداعيات ما بعد القتل. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة