Times of Egypt

سرسوب من النقد الذاتي 

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال  

صحَّح صلاح دياب مفهومي.. عن التفكك الأسري؛ إذ كنا في اللقاء الثقافي الذي ينعقد دورياً في نادي السيارات، وتخطط له اللجنة الثقافية، ويقوده باقتدار الأستاذ نبيل البشبيشي، عضو مجلس إدارة النادي ورئيس تلك اللجنة. 

وكان موضوع اللقاء – الذي تم منذ عدة أسابيع – هو »مذكرات صلاح دياب «التي صدرت مؤخراً ونالت قدراً كبيراً من الاهتمام الثقافي والصحفي، وكتب عنها عشرات المقالات. وكان من حظي أن أقرأها مرتين؛ الأولى منذ عدة سنوات وهي »مسودة» أرسلها صاحبها لي لأبدي أية ملاحظات، والثانية بعدما صدرت. 

وبالطبع تكونت لديَّ بعض الملاحظات.. التي قلت بعضها في ذلك اللقاء، وبدأتها بأن عبقرية صاحب المذكرات.. تكمن في قدرته غير المحدودة، على التعامل مع المتناقضات وتحويل السلبي منها إلى إيجابي. ومثلاً، فإنه يستطيع تحويل المشاعر والمواقف غير الإيجابية – وربما العدائية التي يتخذها أحد ما تجاهه – إلى مشاعر ومواقف إيجابية.. ثم ودودة، ثم إذا بها صداقة وصحبة، لا تعتريها الشوائب. وضربت مثلاً بالعلاقة بيننا وقد مرت بتلك المراحل. 

ثم قلت إنه نشأ في أسرة مفككة، ومضى نحو تكوين أسرة متماسكة.. قوية، يسودها التراحم والاحترام والقيم العليا النبيلة. وقد ذكرت التفكك، لأنني قرأت في سطور مذكراته عن انفصال والديه.. وهو ما زال جنيناً، ثم انتقاله إلى منزل ومجتمع جده لأمه؛ المفكر والمثقف والكاتب والصحفي الكبير توفيق دياب، وكيف أنه كان ينادي جده.. »أبي» إلى أن بلغ الثامنة، وعندها عرَّفه جده بأبيه. ودار حوار بين الابن والأب.. حول ما جرى، وكل ذلك مذكور في المذكرات. 

ثم استكملت مداخلتي، بالتأكيد على أن المذكرات فريدة في نوعها، أو على الأقل ضمن العديد من السير الذاتية.. التي قرأتها في الفترة الماضية؛ لأن دياب استطاع – وببساطة ممتنعة – أن يضمنها مادة خصبة، يمكن أن يعتمد عليها – كمصدر من الدرجة الأولى – المؤرخون وعلماء الاجتماع الريفي والحضري، والاقتصاديون والتربويون والباحثون.. في مجال السياسة وتداخلاتها الاجتماعية والاقتصادية. 

… وانتهيت، ليرد صاحب المذكرات – بعد أن تسببت في دهشة.. إن لم يكن غضب البعض؛ خاصة أن أسرة الرجل كانت حاضرة، ولم يكن من اللباقة ولا الكياسة.. الحديث عن ذلك التفكك، هذا بفرض أن الكلام صحيح.  

وهنا جاء التصحيح، إذ استفاض صاحب السيرة في حديث عميق، عن العناية التي نالها من جده وجدته وخاله، ومن المحيط الاجتماعي الذي نشأ فيه هناك. وحتى عندما ارتبطت الأم وتزوجت، وأنجبت أختاً لصلاح، فإن الأب – وفرق كبير بين الوالد وبين الأب – أحاطه بعناية ورعاية واهتمام غير محدود، وضرب أمثلة هائلة على ذلك؛ وكيف أنه كطفل – وبعدها صبي ومراهق وشاب، وفي مختلف مراحل الدراسة – لم يشعر لحظة واحدة بغياب أسرته. 

ومرت أيام، وأخذت أفكر في الفرق بين التفكك »اصطلاحاً» وبين التفكك »مضموناً». ووجدت أنه قد يتصادف.. وتوجد أسرة مكتملة الشكل – أي فيها والد ووالدة وأبناء وبنات وأقرباء – ولكن بناءها مخوّخ؛ فلا أساس ثابت، ولا مداميك متماسكة مستوية، ولا.. ولا إلى آخر الشكل. 

نقلاً عن «المصري اليوم« 

شارك هذه المقالة