Times of Egypt

زلزال زهران ممداني في نيويورك!

M.Adam
عبدالله السناوي 

عبد الله السناوي

«هذه ليلتنا.. إننا نصنع التاريخ».

كان ذلك تعبيراً دراماتيكياً في لحظة أمريكية قلقة.. بشأن ما يحمله المستقبل من تحديات وتساؤلات.. بلا أجوبة. هكذا لخص الشاب الثلاثيني «زهران ممداني» المشاعر العامة – التي اجتاحت مناصريه من الشبان – عند إعلان فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك.

كادت هستيريا الصراخ أن تصم الآذان.

الحدث – برسائله ودلالاته – أقرب إلى زلزال.. ينبئ بانقلابات محتملة في بنية السياسات الأمريكية، إذا لم يكن غداً فبعد غداً.

إنه جيل أمريكي جديد، يولد – بغضبه ورسائله للمستقبل – في ذروة «الحقبة الترامبية».

إنه نفس الجيل، الذي تظاهر واحتج.. إثر حربي الإبادة والتجويع في غزة المحاصرة، وحاربته المؤسسة الأمريكية – بجناحيها الجمهوري والديمقراطي – قمعاً وترهيباً.

في ذاكرة نيويورك، مشاهد اقتحام قوات شرطتها لحرم جامعة كولومبيا العريقة.. فضاً لاعتصام طلابي، يتضامن مع غزة وقضيتها العادلة.

خضع رؤساء جامعات لتحقيق علني في مجلس النواب، بزعم تساهلهم مع الاحتجاجات الطلابية، التي امتد إلهامها من جامعة كولومبيا إلى كل جامعات النخبة الأمريكية والأوروبية.

أخذ القمع مداه في ولاية «دونالد ترامب» الثانية؛ باستهداف الطلاب الأجانب.. المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، والتضييق المالي على أية جامعة.. تسمح بحرية التضامن الإنساني مع الضحايا.

دعا الطلاب الغاضبون إلى وقف المساعدات الأمريكية لإسرائيل، وسحب الاستثمارات من الشركات.. التي تزودها بالأسلحة والتكنولوجيا العسكرية.

تبنى الهجوم المضاد فرضية لم تثبت – ولا كان عليها دليلاً – أن هناك روحاً تسري في الاعتصامات.. معادية للسامية.

لم تحل الخريطة السياسية لنيويورك.. من صعود «ممداني» حيث يعيش (1.7) مليون يهودي فيها، ينتمون في أغلبيتهم الساحقة إلى الحزب الديمقراطي.

لم يُنتخب كمسلم.. بقدر ما انتخب لبرنامجه، وحساسية جيل جديد، لكن الإسلاموفوبيا سوف تعبأ ضده.. في معركة كسر العظم المقبلة.

والده أكاديمي متخصص في الدراسات الإفريقية، ينتمي إلى تيار التحرر الوطني، الذي وصل ذروته ستينيات القرن الماضي، بقيادة «جمال عبدالناصر».

لم تكن مصادفة أن يطلق على ابنه اسماً مزدوجاً.. «زهران كوامي» – نسبة إلى الزعيم الغاني «كوامي نكروما»، أحد أبطال حركة التحرر الأفريقية – ولا أن صلة حوار وثيقة تربطه بالمفكر الفلسطيني الراحل الدكتور «إدوارد سعيد».

إنهما قضيتان متلازمتان، التحرر الأفريقي والحرية لفلسطين.

إذا لم تحدث مفاجأة كبيرة، فـ«ممداني».. هو عمدة نيويورك عند إجراء الانتخابات العامة نوفمبر المقبل.

تقليدياً.. يتمتع الديمقراطيون بأغلبية مريحة.. في أية انتخابات عامة تُجرى بالولاية الأمريكية الأهم، لكن هذه المرة.. سوف تتآلف قوى متناقضة، لمنع صعوده إلى ذلك المنصب.. تضم الجمهوريين والرئيس الأمريكي نفسه، والعناصر المحافظة التقليدية داخل حزب الديمقراطي، وحيتان المال والأعمال.. الذين أزعجتهم برامجه وتوجهاته اليسارية.

بتكوينه الفكري والسياسي، فهو ينتمي إلى التيار اليساري في الحزب الديمقراطي، الذي يقوده السيناتور «بيرني ساندرز».

قوته.. في دعوته لـ«خفض تمويل الشرطة»، وزيادة الضرائب. ووضوح شعاراته وبساطتها؛ كـ«تجميد رفع الإيجارات»، «حافلات مجانية»، «مدينة يمكنك تحمل تكلفتها».

بخلفيته الدينية والقومية، فهو مسلم – من أصول هندية، ولد في أوغندا – اكتسب جنسيته الأمريكية عام (2018).

إنه رمز جديد للمهاجرين.. من أصول آسيوية وأفريقية ولاتينية، الذين يناصبهم «ترامب» العداء السافر، رغم أن عائلته – هو نفسه – نزحت من ألمانيا.

إنها تفرقة عنصرية.. في مجتمع مهاجرين بالأساس.

بتعبير «ممداني»: «هذه فاشية».

«لقد فزنا، لأن سكان نيويورك دافعوا عن المدينة، التي يعيشون فيها ،وأبدوا استعداداً لدفع أية تكاليف.. حتى نمنع عملاء دائرة الهجرة والجمارك الملثمين، من التنكيل بالمهاجرين من مواطني دول الجوار».

كان ذلك تحدياً صاخباً لسياسات «ترامب».. في منع الهجرة إلى الولايات المتحدة، وحمل المهاجرين – بالقوة – على العودة إلى بلدانهم الأصلية.

عندما سئل في برنامج تلفزيوني.. عما إذا كان مستعداً؛ كعمدة لنيويورك.. أن يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، بدت إجابته صارمة – على غير المعتاد في الخطاب العام الأمريكي – «لن يحدث ذلك، بل سأعتقله.. بموجب صلاحياتي»؛ رغم أن الولايات المتحدة لم توقع على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية.

«قيم المدينة تتماشى مع القانون الدولي، وضرورة احترام ما أصدرته الجنائية الدولية.. من مذكرة توقيف بحقه كمجرم حرب».

إنها تفاعلات وأجواء جديدة، تتبدى في الحياة السياسية الأمريكية.

لم يتردد «ترامب» في دخول حرب مفتوحة مع السياسي الشاب، فهو «شيوعي مهووس بنسبة مائة في المائة».

أفلتت العبارات إلى الشتم المباشر: «ليس ذكياً، مظهره بشع وصوته مزعج».

إذا ما شاهدت مقاطع من فيديوهاته؛ فإنه يتمتع بحضور قوي ومؤثر، وقدراته الخطابية تلهم أنصاره.

نيويورك ليست ولاية عادية، إنها مركز النخبة الأمريكية الليبرالية التقليدية.

الصراع عليها.. يؤشر إلى المستقبل.

كان اكتساح التيار اليساري للانتخابات التمهيدية، تعبيراً عن توجه قوي في الحزب الديمقراطي.. لتغيير التوجهات والوجوه معاً.

بتوصيف أحد المخططين الاستراتيجيين في العملية الانتخابية الأمريكية.. فإن «ممداني» يمزج بين السيناتور «بيرني ساندرز» – في لغته الغاضبة – والرئيس الأسبق «باراك أوباما».. في روحه المقاتلة.

بأثر الزلزال السياسي الذي فاجأ الجميع، توشك نيويورك – والولايات المتحدة كلها – أن تدخل حرباً ضارية ،عنوانها المباشر.. «انتخاب عمدة جديد لنيويورك»..

وسؤالها الحقيقي: «إلى أين تتجه أمريكا؟» أو إذا ما كانت غضبة الأجيال الجديدة.. سوف تهز بنية السياسات الأمريكية الراسخة.

نقلاً عن «الشروق»

شارك هذه المقالة