Times of Egypt

زرافة محمد علي: حكاية ممتعة

M.Adam
محمد أبو الغار 

محمد أبو الغار 

كتاب ساحر ملهم.. صدر بالإنجليزية عن دار «هيدلاين» عام 1998،  بقلم مايكل آلن بعنوان «زرافة: قصة حقيقية». المؤلف اقتفى أثر الزرافة من سنار في السودان – من الأرشيف المختفي حتى اكتشفه الملك فاروق عام 1938، وأمر بترجمته إلى العربية – والباقي كان في الأرشيف الفرنسي، وترجمه للعربية الأستاذ مجدي شرشر، وكتب مقدمة رائعة.. عبَّر فيها عن رأيه في بعض الأحداث العنصرية، ونشرتها دار الهلال عام 2001.

الزرافة جاءت من جنوب شرق السودان إلى مصر، ثم إلى فرنسا، حتى وصلت إلى حديقة النباتات في فرنسا. ولكن الكتاب يصف بدقة حالة مصر.. أثناء الحملة الفرنسية، وثورات القاهرة، وكيف تحطم الأسطول الفرنسي، ومحاولة دخول عكا، وعودة نابوليون، ومقتل كليبر، ثم خيبة مينو القائد الجديد.

يشرح الكتاب الفترة منذ خروج الفرنسيين عام 1801 وحتى عام 1805.. حين تولى محمد علي السلطة، وأصبح الحاكم. وبالتدريج.. خرج عن طوع الأستانة، وكيف تخلص من المماليك، وبنى أسطولاً، وقامت القوى الأوروبية بتدميره. وتضافرت رغبة محمد علي.. في مصادقة ملك فرنسا شارل العاشر، مع رغبة قنصل فرنسا في التزلف للملك، وتم الاتفاق على إهداء زرافة للملك. وبدأت الخطة لأسر زرافة من سنار.. بجنوب شرق السودان. 

والزرافة حيوان هادئ وصامت، ويميل إلى العزلة، وتحديد مسافات آمنة. ولدى الزرافة موهبة التنبؤ المبكر بالخطر، ورفسة رجل الزرافة قوية جداً.. فيمكن أن تقتل أسداً، وهي تفوق الحصان في السرعة، ولكن ليس لمسافات طويلة، والزرافة.. إذا وقعت في الأسر، تمتنع عن الطعام وتموت. ولذا، كان أسر الزرافة ناجحاً فقط.. في حديثي الولادة، الذين يتم تربيتهم في الأسر، وإرضاعهم اللبن.

ونجحت الحملة في أسر زرافتين صغيرتين في العمر، وأخذت رحلة الزرافتين 16 شهراً.. من تاريخ الأسر، حتى أفرج عنهما جمرك مرسيليا يوم 14 نوفمبر 1826. ونُقلت الزرافتان على مراكب شراعية كبيرة.. بصحبة حسن المشرف عليهما، وعطير الأسود البشرة، وهو خادم دورفيتي.. قنصل فرنسا. وكانت كل زرافة ترضع 30 لتراً من اللبن في اليوم، وهذا يستدعي وجود عدد من البقر.. معهما على المركب، أو في مركب مجاورة. واستغرقت الرحلة شهرين حتى تصل إلى القاهرة. ويصف المؤلف نقوشاً على معبد حتشبسوت – التي أرسلت بعثة إلى بلاد بونت، وجلبت زرافات.. أضافتها إلى حديقتها التي تحوى حيوانات مختلفة، وهي أول حديقة حيوان في تاريخ البشرية – وهناك زرافة أخرى مرسومة على مقبرة وزير.. كان يتلقى هدايا نيابة عن الفرعون في طيبة 3500 عاماً قبل الميلاد. نُقلت الزرافتان عبر فرع رشيد، ثم ترعة المحمودية إلى الإسكندرية، وأُرسلت الزرافة القوية العفية إلى فرنسا، والضعيفة إلى بريطانيا، بعد أن أمضت الزرافتان ثلاثة أشهر في حديقة قصر محمد علي في الإسكندرية.

ونُقلت الزرافتان على مركب شراعي إيطالي – بمصاحبه حسين وعطير، وسافر معهما ابن أخ القنصل ليقوم بالترجمة – ورافقهما عدد من البقر المدر للبن. ويذكر المؤلف أن رفاعة الطهطاوي – بصحبة 53 مبعوثاً للدراسة – سافروا قبل الزرافة بستة أشهر إلى مارسيليا.

ويذكر أن أول زرافة وصلت أوروبا.. كانت من مصر إلى يوليوس قيصر 46 عاماً قبل الميلاد. وفي عام 1486 ميلادية أرسل السلطان المملوكي قايتباي من مصر.. زرافة إلى فلورنسا في إيطاليا، وخلدت هذه الزرافة في رسوم ولوحات الفنانين الكبار.

نزلت الزرافة إلى شاطئ مارسيليا يوم 21 أكتوبر 1826، وبعد فترة من الحجر الصحي.. صحبها حسن وعطير (مع البقر).. يوم 11 نوفمبر – عبر الشوارع – إلى قصر حاكم مارسيليا بين حشود الجماهير. وكانت هذه أول زرافة تصل أوروبا منذ 350 عاماً.

كان المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي مهتماً بالحدث، وبنى مكاناً لحماية الزرافة من البرد.. في حديقة الحاكم، وبه تدفئة، وأمضى حسن وعطير فصل الشتاء في مارسيليا مع الزرافة. وقام حاكم مارسيليا بتنظيم حفلات عشاء.. للشخصيات المهمة، على شرف الزرافة المصرية.

أرسلت باريس إلى مارسيليا العالم الهام إيتيان سان هيلير – الذي اصطحبه نابوليون إلى مصر، وشارك في كتاب وصف مصر – وأصبح عالماً مهماً في علم الحيوان، وأصغر عالم مسؤول عن إنشاء المتحف – وتقرر السفر بالطريق البري.. يقودهم سان هيلير، ومعه حسن ، وشاب فرنسي من مارسيليا، ويوسف عبيد – وهو شاب مصري من الذين اصطحبتهم الحملة الفرنسية في العودة – وعاشوا في معسكر لاجئين. وسار الموكب شمالاً، وكان سان هيلير قد صمم معطفاً تلبسه الزرافة.. للوقاية من البرد، وكانوا يتوقفون في الطريق يومين. واستمرت المسيرة أثناء ما يشبه الفيضان.. بعد ما ذابت الثلوج على المرتفعات واندفعت المياه. وازدحمت الساحات في هذه المدينة الكبيرة.. لمشاهدة الزرافة، وبالقرب من باريس استقبله أحد أصدقائه.. قادماً على سفينة في نهر السين.

وصلت الزرافة إلى حديقة الملك، ووُضعت مؤقتاً في بناء زجاجي في الحديقة، وكانت صحة سان هيلير قد ساءت.. بسبب احتباس في البول. وكانت الرحلة التي قطعتها الزرافة وحسين وعطير 880 كيلومتراً مشياً على الأقدام. وعند وصول الملك تحدث مع سان هيلير لمدة ساعة كاملة.. عن رأيه في الحفاظ على الحيوان، وتنظيم متحف الحيوان، وأعطى الملك 2000 فرنك إلى حسن، وألف فرنك إلى عطير. وعاد حسن إلى مارسيليا – بعد توفير مواصلات له – وسافر إلى مصر. واستمر عطير يرعى الزرافة في فرنسا. 

شاهد الزرافة عشرات الآلاف من الباريسيين، وأصبحت موضة، وأصبح عطير شخصية شهيرة.. كراعٍ للزرافة، وكان يستعرضها كل يوم أمام الحشود.

ويذكر الكاتب – والرحالة جوستاف فلوبير، الذي زار مصر وكتب عنها كتاباً شهيراً – أنه كان في الرابعة مع عمره، عندما زار باريس.. قادماً من قريته، وشاهد الزرافة. وتناقل الناس روايات.. عن أن عطير أصبح زير نساء، وله محبات من الطبقة العليا.

وشكر الملك القنصل في الإسكندرية، الذي نجح في توصيل الزرافة، واشترى منه الملك كل الآثار المصرية.. التي نقلها إلى باريس، وأصبحت هي الآثار الموجودة في اللوفر حالياً.

(قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك).

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة