Times of Egypt

رمال الشرق الأوسط المتحركة

M.Adam
نيفين مسعد

د. نيفين مسعد

وَصْفُ رمال الشرق الأوسط بأنها متحركة.. هو وصف شائع، ومُستخدَم في العديد من التحليلات السياسية العربية والأجنبية.. وبتنويعات مختلفة، كما في القول – مثلاً – إنها رمال سائلة أو ناعمة أو متغيرة… إلخ. والهدف في كل الأحوال هو التعبير عن الأوضاع المضطربة وغير المستقرة في هذه المنطقة من العالم وانعكاساتها المترامية. لكن على الرغم من أن وصف رمال الشرق الأوسط بالمتحركة، يسبق – بكثير – عملية طوفان الأقصى إلى.. حد يمكن معه اعتبار هذه «الحركة»، مرتبطة ارتباطاً عضوياً بتاريخ الشرق الأوسط، بسبب تضارب مصالح القوى المتنافسة، فإن ما شاهدناه – وما زلنا نشاهده – على مدار العامين الأخيرين، يتجاوز ما سبقه بكثير، ويتسع نطاقه من المستوى الإقليمي إلى المستوى الدولي.

ومن دون الوقوع في فخ المبالغة؛ بالقول إن رمال الشرق الأوسط قد تبتلع مصداقية الأمم المتحدة – كما سبق أن رمال أوروبا ابتلعَت مصداقية عصبة الأمم – إلا أنه لا يمكن بأى حال.. إنكار العجز الأممي الفادح عن وقف عمليات التهجير القسري، والتجويع حتى الموت، والإبادة الجماعية في وضح النهار.. لسكان غزة. ومن جهة أخرى، فإن رمال الشرق الأوسط المتحركة، لا تغوص فيها فقط القرارات الأممية، وقواعد القانون الدولي، ومنظومة العدالة الدولية؛ بل هي تهدد أيضاً التحالفات المستقرة في المنطقة، وتدفع نحو تكوين شبكة جديدة من التحالفات. 

… وهذا هو لُب مقال اليوم.

في النظر إلى العدوان الإسرائيلي على دولة قطر، يمكن اعتباره من نتائج الرمال التي حركتها عملية طوفان الأقصى، فمشروع الشرق الأوسط الجديد – الذي راود الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة – وجد أمامه الفرصة سانحة.. مع هجوم «حماس» غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر. وبمرور الوقت، اكتسب مشروع الشرق الأوسط الجديد.. قوة دفع ذاتية، حتى وصل الأمر إلى اعتداء إسرائيل على دولة.. تصفها الولايات المتحدة بأنها «الحليف الرائع»، وتوجد على أرضها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وتستضيف جولة تفاوضية لمناقشة الورقة الأمريكية.. الخاصة بإنهاء حرب غزة. 

لكن في الوقت نفسه، فإن العدوان الإسرائيلي على قطر، ليس مجرد أثر من آثار تحرك رمال الشرق الأوسط.. بعد «طوفان الأقصى»، إذ يمكن النظر إليه – هو نفسه – باعتباره سبباً في تحريك المزيد من الرمال في المنطقة؛ فأن تهدد إسرائيل أمن دولة قطر، فإن من بين معاني هذا التطور.. أن التهديد الإسرائيلي يمكن أن يحتل موقعاً «ما»، على خريطة التهديدات الأمنية للدول الخليجية، وذلك في الوقت نفسه الذي أصبح فيه التهديد الإيراني لتلك الدول.. في حالة ثبات نسبي، أو ربما حتى في حالة تراجع تكتيكي. فالمتابع لتطور العلاقات الخليجية-الإيرانية – منذ استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في عام 2023 – يلاحظ أنها تأخذ منحىََ إيجابياً متزايداً، تعبِّر عنه الحركة الدبلوماسية النشطة بين الجانبين.

كما لا يفوتنا، مسارعة إيران بالاعتذار لقطر.. بعد مهاجمتها قاعدة العديد، وتنويهها إلى أن قطر ليست هي المقصودة بالعدوان. وهو تبرير غير مقنع بالتأكيد، لكنه يكشف عن حرص إيران على عدم تعكير صفو علاقاتها مع دول مجلس التعاون. وهكذا تكون رمال الشرق الأوسط.. قد تكفَّلت بصياغة معدَّلة لخريطة تهديدات الخليج؛ إذ لم يعد التهديد الإسرائيلي أمراً مستبعداً، ومن جانبه لا يقصِّر رئيس الوزراء الإسرائيلي.. في تأكيد عزمه على استهداف قادة «حماس».. أينما كانوا.

كذلك يمكن القول إن العدوان الإسرائيلي على قطر، كان من بين العوامل المعجِّلة بالتوقيع على اتفاقية الدفاع العسكري المشترك.. بين السعودية وباكستان. وهذا التطور المهم – الذي بدا مفاجئاً للجميع – من المفهوم أنه ليس وليد اللحظة، بل كان يجري إنضاجه على نار هادئة بعيداً.. عن الأضواء قبل فترة طويلة، لكن الاستهداف العسكري الإسرائيلي للدوحة، والأهم من ذلك حياد الإدارة الأمريكية.. عاملان أظهرا الحاجة للإسراع بإخراج الاتفاقية العسكرية السعودية-الباكستانية إلى النور. وهكذا اتخذ البعد الإسلامى في حماية أمن الخليج.. خطوة للأمام، حيث أصبحت المملكة العربية السعودية – للمرة الأولى – محمية بالمظلة النووية الباكستانية، بعد ما هو معلوم عن التطور بين تركيا وقطر في المجال العسكري.

فإلى أى مدى يمكن أن يحرك الدور الباكستانى.. المزيد من الرمال في منطقة الشرق الأوسط؟ 

إجابة هذا السؤال، تتوقف على ما إذا كانت الخطوة السعودية.. ستتلوها خطوة مماثلة من أى دولة خليجية أخرى مع الهند – مثلاً – باعتبارها تشكل حليفاً عسكرياً قوياً محتملاً. ففى حال تحقق هذا الاحتمال، فإنه قد يُدخِل الخليج في نطاق الاستقطاب التاريخى.. بين الهند وباكستان. ومعلوم أن الدولتين تمثلان مصدراً أساسياً من مصادر العمالة الوافدة في الخليج. 

ثم هناك إيران، التي ترفع شعار أن أمن الخليج.. لا يحميه سوى دوله، وتنادى بنظام أمنى مع دول مجلس التعاون الخليجى مضافاً إليها العراق. صحيح أن علاقة إيران بباكستان.. فيها ما يقرِّب بينهما، وهذا بدا واضحاً في الدعم الباكستانى القوى لإيران.. بعد العدوان الإسرائيلى عليها، لكن الخليج هو المجال الحيوى لإيران، ودخول باكستان فيه.. يُخل بالتوازن الاستراتيجى لغير مصلحتها.

هذا كله، دون الحديث عن موقف إسرائيل – التي تعتبر التطبيع مع السعودية هدفاً أساسياً من أهدافها – لكنها تتابع بقلق.. خطوات المملكة وهي تذهب بعيداً عنها، من خلال قيادة تحالف حل الدولتين، وتوثِّق علاقتها بنظام دمشق.. الذي لا تثق فيه تل أبيب، ثم ها هي أخيراً تتحالف مع باكستان.. التي تعتبر إسرائيل «دولة مارقة».

والمستفاد، أن رمال الشرق الأوسط آخذة في التحرك.. في حدود الأمد المنظور. أما إلى أين تأخذنا الرمال المتحركة، فإن هذا يتوقف على اتجاهات الرياح.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة