Times of Egypt

رفع العقوبات المفروضة على سوريا

M.Adam
نبيل فهمي

نبيل فهمي..


إعلامياً، من أهم الخطوات السياسية.. التي نتجت عن جولة دونالد ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات، هي ترتيب لقاء مع أحمد الشرع – بحضور سعودي، ومع اتصال تركي – لما يحمله من معانٍ سياسية وما يتبعه من ترتيبات اقتصادية وأمنية، وقد استُقبل اللقاء بترحيب محكوم، وكياسة.. من قبَل كُثر في العالم العربي والشرق الأوسط، مع التطلع لانفراجة اقتصادية في سوريا بمختلف توجهاتها، التي يعاني شعبها من ويلات حرب أهلية امتدًّت لأكثر من عقد من الزمن، أُهدرت فيها الأرواح واستُنزفت فيها الموارد والخيرات.
واللقاء السياسي مع القيادة السورية له مغزاه وقيمته وأهميته، لاعتبارات توازن إقليمي شرق أوسطي ترتبط بدور إيران، وفي ظل ما نُشر بعد ذلك عن مفاوضات سورية-إسرائيلية مباشرة، بغية التوصل إلى اتفاق سياسي بين البلدين. ومن يتجول في الساحات السورية الآن، يجد مزيجاً من التفاؤل المحسوب والمرتبط ببدء مرحلة ما بعد الأسد والتغيير السياسي الداخلي، مع استمرار الترقب للتوجهات السياسية للبلاد، على أمل أن تكون الحصيلة السياسية.. الجمع المجتمعي ولمّ الشمل، حتى لو تعرضت المسيرة لبعض التعثرات الطبيعية.. على طريق توفيق الأوضاع والاستقرار، في ظل المواقف المتباينة واختلاف التوجهات.
إنما اللافت للنظر– بوضوح – أن الكل في سوريا.. عدا استثناءات محدودة، يعاني من ضائقة مالية شديدة، تمنعهم حتى من الاستفادة من وفرة بعض السلع الأساسية المتوافرة؛ خاصة من دولة الجوار تركيا. لذا يظل التركيز الأساسي للمواطنين.. على إعلان ترامب أنه وجَّه برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وهي خطوة جيدة، إنما يجب أن يُنظر إليها بقدر من التفصيل والدقة، لتقدير حجم ومصدر الانفراجة، ومعدلاتها المتوقعة، وتحديد أفضل سبل توفير المساعدات ووصولها للمواطنين والمحتاجين.
أهم وأكثر العقوبات المتبقية، والأكثر تأثيراً على سوريا – بعد انهيار نظام الأسد – كانت العقوبات الأمريكية والبريطانية.. المرتبطة بالاتحاد الأوروبي، وذلك لما تفرضه من ضغوط مباشرة على حكومات تلك الدول، وكذلك أثرها الانكماشي على دول أخرى، وعلى القطاع الخاص عامة؛ خشية تأثير نشاطهم في سوريا على نشاطات أوسع وأكبر في دول أخرى.
وقبل زيارة ترامب للخليج، انصبَّت الضغوطات والعقوبات الأمريكية على ما يسمى الداعمين للإرهاب (SST) – وهم أعضاء نظام الأسد والمرتبطون به – وعقوبات على الأجهزة الأمنية والمخابراتية السورية، وأخرى اقتصادية شاملة خارج إطار الاستثناءات الإنسانية، وحظر التعامل مع المؤسسات الروسية؛ علماً بأنه لم تكن الولايات المتحدة قد رفعت سوريا ورئيسها الحالي عن قائمة الإرهاب، ووضعت ضوابط شديدة على تصدير تكنولوجيا المعلومات، وتفرض عقوبات على أطراف ودول أخرى.. لها علاقات اقتصادية كبيرة مع سوريا، في حين كانت قد اتخذت إجراءات – بالنظر حالة بحالة – في السماح ببعض التعاقدات المرتبطة بالطاقة، والخدمات العامة والإنسانية، وتقديم الخدمات الإدارية الحكومية للنصف الأول من عام 2025.
بعد انهيار نظام الأسد، كانت بريطانيا قد علّقت عقوباتها على 24 مؤسسة سورية – بما في ذلك البنك المركزي، والطيران السوري، وعدد من شركات الطاقة وإعادة التعمير – إنما ظلت عقوباتها على عدد من الشخصيات المرتبطة بنظام الأسد، وضد نشاطات ترتبط بالتهريب، وكذلك بالتكنولوجيا مزدوجة الاستخدام، والاستمرار في فرض إجراءات خاصة بحماية الأصول الحضارية.
من ناحية أخرى، رفع الاتحاد الأوروبي العقوبات في مجالات الطاقة والنقل والمؤسسات المالية، ومن ضمنها على أربعة بنوك وشركة الطيران السورية، مع السماح بتمويل المساعدات الإنسانية وإعادة التعمير، في حين تمسك الاتحاد الأوروبي باستمرار العقوبات والحظر على أعضاء نظام الأسد وأعوانه، وحظر توفير الأسلحة ووضع قواعد وحدود لتصدير التكنولوجيا التي يمكن أن يكون لها استخدام مزدوج مدني وأمني.
ستوضح الأسابيع القادمة طبيعة العقوبات المرفوعة وحجمها، ويُتوقع استمرار العقوبات على أعضاء نظام الأسد، وأن تُرفع عن بعض مسؤولي النظام الجديد.. المسجلين على قائمة الإرهاب عند نفس هذه الدول، وستكون هناك بعض التناقضات والمؤامرات المتوقعة والضرورية، الناتجة عن غياب الحكم الرشيد في سوريا لأعوام طويلة وهو السبب الرئيسي في انهيار النظام السابق، وتمكين الغير من التدخل في الأمور.
وعلى الرغم من الاضطرابات السياسية، والحاجة إلى وقت كافٍ لاستقرار الأمور سياسياً، فإن من الأهمية – بل من الضرورة – النظر في أفضل وأسرع السبل.. لتوفير الدعم الاقتصادي والإنساني لمواطني سوريا.. من خلال عدد من الخطوات؛ مثل تغيير منهجية فرض العقوبات،والاستثناءات المعطاة وأسلوب وشروط تلقيها، والتمسك بمنهجية تفرض وتشترط.. بشكل إيجابي التزام الداعم والمتلقي بالشفافية والمحاسبة، وتأمين تنوع الخيارات والمصادر.. في جميع التعاملات المرتبطة بالمساعدات، وهي قواعد وشروط يجب أن تُطبَّق على الداعم والمتلقي، لأن تجارب الماضي تشوبها الكثير من التجاوزات على الجانبين.
وعملياً،فإن هذا يتطلب تغيير الأدوات العقابية وتطويرها، من أجل تسهيل وتأمين المساعدات والاستثمارات.. في الخدمات العامة والبنية الأساسية والتنمية الاقتصادية، مع الإقلال بقدر الإمكان.. من التعامل الاستثنائي لكل حالة لتسهيل، واستقرار العمليات الاقتصادية والاستثمار وتوفير الفرص المتساوية، والحد من الفساد بين الداعمين والمتلقي.
كما يجب توحيد وتوضيح إجراءات المصارحة والمكاشفة، والمراجعة المطلوبة من المؤسسات المالية.. باعتبارها الركيزة الأساسية لأية منظومة اقتصادية، وتمكين وتأهيل المؤسسات السورية – بما في ذلك القطاع الخاص – لتطبيقها بنمطية مستقرة.
ومن الأهمية بمكان، ضمان توفير الإجراءات والآليات – اللازمة لضمان التوزيع العادل للمساعدات في مختلف أنحاء البلاد – دون تمييز أو تفرقة.. من خلال مؤسسات حكومية، أو بدعم من المجتمع المدني، مع تركيز خاص على برنامج دعم قدرات المحليات، وتوفير الغذاء والخدمات الصحية.
هناك حاجة ملحة للدعم العاجل للمجتمع السوري.. إنسانياً واقتصادياً، وستزداد الطلبات والاحتياجات.. مع زيادة أعداد العائدين بمشيئة الله، وأعتقد أن علينا جميعاً التزام إنساني في هذا الصدد، في نفس الوقت الذي نتابع فيه السلطات السورية، بالالتزام بمنهجية جامعة للشعب السوري – دون تفرقة أو تمييز – حفاظاً على الهوية السورية العربية.
نقلاً عن «إندبندنت عربية»

شارك هذه المقالة