أمينة خيري
لو قال لي أحدهم.. قبل عشر سنوات، إن الولايات المتحدة الأمريكية ستسامح أو تصادق أو تصافح.. هيئة تحرير الشام – التي كانت جبهة النصرة، وتشكلت وتم تمويلها من قبَل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) – لنصحته بطلب معونة الطب النفسي، أو البحث عن خبير يشرح له.. الهوة السحيقة بين الجماعات الجهادية المسلحة ودول العالم؛ لاسيما الغربي.
ورغم جهود غربية عدة.. تم بذلها، والضغط بها ضغطاً رهيباً قبل سنوات، حتى يقبل المصريون بحكم جماعة الإخوان المسلمين.. رغماً عن إرادة الغالبية، ورغم العلم بأن حكم جماعة إسلام سياسي، يعني حكماً دينياً لا ريب فيه، وتحوُّل الدولة برمتها.. إلى دولة دينية؛ مهما ارتدت جلباب الانتخابات الحديثة، أو تلحفت بعباءة المدنية المعاصرة، إلا أن التحولات الحادثة في قبول «هيئة تحرير الشام» – التي كانت جهادية – ما زالت قادرة على إثارة دهشة أكبر.
«السياسة مالهاش كبير».. ليست كلاماً والسلام، إنها كل الكلام المؤثر والفعال. السياسة فن الممكن.. واللاممكن، والمعقول واللامعقول، والمتوقع.. والأبعد ما يكون عن الأذهان والأفكار.
الرئيس ترامب أعلن.. في زيارته للسعودية، عزمه رفع العقوبات عن سوريا؛ وهي العقوبات التي يمتد عمرها.. إلى أكثر من 40 عاماً.. بدأ تطبيقها في عام 1979، وظلت تتمدد وتتوسع.. حتى طالت كل المناحي والمجالات. أمارات ودلائل التقارب الأمريكي-السوري.. كانت واضحة على مدار الأسابيع القليلة السابقة – وذلك لمن يرغب ويقدر.. على رؤية الحقيقة، منزهة عن التصورات المسبقة – منذ تم إسقاط نظام بشار الأسد في أيام معدودة، ووصول رجال هيئة تحرير الشام إلى القصر الرئاسي السوري.. بسلاسة ويسر مدهشين. كلمة «دهش».. تعني في القاموس «تحيَّر وذهب عقله من وله أو فزع أو حياء».
لقاء «الرئيسين» ترامب والشرع.. حدث بالفعل. وسحب أمريكا قواتها – أو جزء من قواتها المقدَّر عددها بنحو ألفي عسكري – في الداخل السوري أيضاً متوقع. إنها القوات التي «كانت» مهمتها.. توجيه الضربات ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا.
في ديسمبر الماضي، وبعد أيام من سقوط نظام الأسد المفاجئ، نصح ماثيو ليفيت – مدير برنامج مكافحة الإرهاب والاستخبارات.. في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» (مركز فكر مؤثر يقدم النصح والتحليل لأمريكا.. فيما يتعلق بمصالحها في الشرق الأوسط، ومعروف بميل واضح لإسرائيل) – بإصدار بعض الإعفاءات قصيرة الأجل.. للمساعدة في تفكيك الشبكة المعقدة من التصنيفات على قوائم الإرهاب الأمريكية، وتسهيل المساعدات الإنسانية. إلّا أن أي رفع أوسع نطاقاً لـ«هيئة تحرير الشام»، والجولاني (الرئيس السوري الشرع حالياً)، وغيرهما من قائمة التصنيفات.. يجب أن يُكتسب، لا أن يُمنح كهدية. مضيفاً، أن نهاية نظام الأسد.. أخبار سارة للغاية – وخاصة بالنسبة للشعب السوري – وكذلك فيما يتعلق بتقويض ركيزة رئيسية.. من «محور المقاومة» الإيراني، ولكن الحكومة الناشئة – بقيادة «هيئة تحرير الشام» – لديها الكثير لتثبته للمواطنين السوريين، ولجيران سوريا، وللمجتمع الدولي.
ويبدو أن الوقت أصبح مناسباً، والظروف توفرت لرفع العقوبات.
نقلاً عن «المصري اليوم»