Times of Egypt

رحيل زياد.. يا وجع فيروز!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

في نهاية السبعينيات، قالت فيروز – في حوار مع إذاعة «الشرق الأوسط».. متحدثة عنه – «زياد عبقري». قالتها بالعامية اللبنانية «عبئري». كنت أسمع عن زياد لأول مرة، واعتقدت أن هذا شعور أم.. ترى ابنها الأفضل في العالم. 

لم أتابعه خلال الثمانينيات إلا قليلاً. طغت أخبار الحرب الأهلية على لبنان الثقافة والفكر والفن. كانت الميليشيات وزعماء «الطوائف» هم الواجهة. في التسعينيات بدأت أؤمن بحكم فيروز عليه. عبقريته رفرفت بظلالها على تجربة الرحبانية، بل على الموسيقى والفن اللبناني.. والعربي أيضاً.

كان زياد متفرداً. تنطبق عليه مقولة: «جاء ليتمرد، ويغير العالم». في الثقافة والفكر والفن العربي عموماً، لا يأخذ التغيير مداه؛ يبدأ المفكر ثورياً وتجديدياً، ومن كثرة النقد والرفض، يصبح محافظاً.. وربما تقليدياً. ظاهرة النكوص عن التجديد عالج أسبابها مفكرون عرب عديدون. قد نختلف أو نتفق مع الظاهرة. لكن عدم إكمال المشوار، والتراجع عن التغيير.. من أهم السمات الراهنة للثقافة العربية. 

زياد الرحباني كان من الاستثناءات القليلة. أطلق العنان لموهبته وأفكاره و«شطحاته».. دون أن يبالي بردود الأفعال. 

انطلق الرحبانية في الخمسينيات.. كظاهرة موسيقية غنائية شبه مكتملة. أحبهم العرب، ووجدوا فيهم مدرسة فنية مختلفة، تضاف إلى المدرسة «الكلثومية»، والمدارس المصرية الغنائية الأخرى. 

كانت لهم سمات معينة، أهمها التجديد في إطار المحافظة. بعد وفاة والده عاصي، أخذ زياد على عاتقه.. إحداث نقلة في «الغناء الفيروزي»، رغم أن فيروز إنسانة محافظة بدرجة كبيرة ولا تتقبل التغيير بسهولة. جرّت هذه المحاولة الجريئة.. الهجوم على زياد. قالوا له: نفذ أفكارك مع مطربة أخرى، واترك لنا فيروز كما هي.. فيروز الرومانسية التي في مخيلتنا. لكنه – رغم كل ذلك – صنع عمراً جديداً، وفناً جديداً.. للمطربة العظيمة.

زياد لم يكن موسيقياً فذاً فقط؛ بل كان شاعراً، ومؤلف أغانٍ، ومخرجاً.. صاحب أفكار تجديدية مثيرة للجدل، لا يتقبلها الناس بسهولة، إلا أنه – بطبيعته – لا يتراجع ليرضي منتقديه.. على حساب ما يعتقد أنه صحيح. 

كان يمضي في طريقه، لا يهمه من يغضب ومن يرفض. حتى مع والدته.. مرت علاقتهما بفترات شد وجذب، نتيجة اختلاف الطباع الشخصية كثيراً؛ فبينما آلت فيروز على نفسها.. أن يتحدث عنها فنها فقط، رافضة أن تتورط في السياسة أو الصراعات اللبنانية، كان زياد يطلق العنان لأفكاره وخواطره. 

قال ما لم يجرؤ كثيرون على قوله. صراحة جارحة، ونقد غير مسبوق.. للطبقة السياسية. أحياناً كان يقول أشياء غريبة؛ مثلما صرَّح – عام 2018 – بأن بوتين.. أمل البشرية. لكن إجمالاً.. كان رائده الالتزام بالإنسان والوطن. دافع عنهما من على خشبة المسرح، وقبل ذلك من خلال برنامج إذاعي كان يقدمه.

برحيله قبل ثلاثة أيام، سينسى الناس موجات الجدل والخلافات.. التي رافقت محطات حياة زياد الرحباني، لكنهم سيتذكرون دائماً له أعماله الخالدة: «سألوني الناس» و«ع هدير البوسطة» و«عودك رنان» و«عندي ثقة فيك» و«مش قصة هاي» و«إيه في أمل» إضافة إلى المسرحيات العديدة الرائعة. 

غياب العبقري زياد.. خسارة كبيرة للفن العربي، لكنه ألم وحزن ووجع لوالدته السيدة فيروز.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة