عبدالقادر شهيب
ترامب لا يرغب في وقف الحرب البشعة.. ضد أهل غزة – مثلنا، أو حتى مثل الكثير من الدول الأوروبية – لإنقاذ أهل غزة من بشاعتها وأهوالها. كلام الرئيس ترامب الآن.. حول الأوضاع المتردية في قطاع غزة، والدمار والخراب الذي لحق به، والحياة البائسة التي يعيشها أهله، ليس الهدف منه الدعوة لإنهاء تلك الحرب البشعة، وإنما الإلحاح والضغط.. لتنفيذ رغبته في تهجير أهل غزة خارج أرضهم؛ فهو بدلاً من أن يقول إن هذه الأوضاع المتردية.. تدعو إلى وقف الحرب فوراً، لإنقاذهم من القتل الجماعي والتجويع الممنهج، يقول إن معظم أهل غزة يرغبون في ترك أرضهم، والخروج من القطاع.. إذا وجدوا البديل!
هكذا، ترامب ما زال مصراً – ومتمسكاً – بطرد أهل غزة من أرضهم. هو لم يتراجع أمام الرفض الفلسطيني والعربي والعالمي، وإنما يعود مجدداً ليتحدث عن تهجيرهم، ويدَّعي أنهم راغبون في ذلك. وهو بذلك يعفي نفسه من إدانة قوات الاحتلال.. على ما ترتكبه من جرائم إبادة جماعية، وتجويع ممنهج، وتدمير وتخريب متعمد. وبالتالي يعفي نفسه من واجب ممارسة الضغط على نتانياهو.. لوقف تلك الحرب البشعة، بل إنه يتحدث عن سياسة جديدة، سوف ينتهجها مع إسرائيل.. بعد تعثر مفاوضات صفقة هدنة الستين يوماً. وكشفت الحكومة الإسرائيلية عن أن هذه السياسة ترمي إلى احتلال الربع الباقي من مساحة القطاع، بعد أن سيطرت قوات الاحتلال على ثلاثة أرباع أراضي القطاع، وجاء ذلك بعد أن أعلن ترامب أن أمريكا وإسرائيل تعلم أين يوجد المحتجزون الإسرائيليون في غزة!
وحتى لو صدقنا ترامب.. أنه يرغب في وقف الحرب البشعة ضد أهل غزة، فهو لا يرغب في ذلك من أجل إنقاذ أهلها من الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج – الذي يتعرضون له ليل نهار الآن منذ 22 شهراً بلا توقف، إلا لأيام محدودة من تنفيذ هدنة فيها – وإنما ليبدأ في تنفيذ خطة تهجيرهم وطردهم من أرضهم، وليس تنفيذ الخطة المصرية.. لإعادة إعمار القطاع ،مع بقاء أهله في أرضهم. ولعل ذلك يفسر لنا لماذا رفض ترامب أن تشارك بلاده في المؤتمر الدولي – الذي عقد في نيويورك – لتأكيد حل الدولتين، والدعوة لإقامة الدولة الفلسطينية، ولماذا استنكر ترامب إعلان فرنسا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر سبتمبر المقبل، وإعلان بريطانيا بعدها عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية أيضاً في شهر سبتمبر، رغم أن الاعتراف البريطاني مشروط.. بعدم وقف الحرب ضد أهل غزة.
إذاً، ترامب لا يرغب في وقف الحرب البشعة.. ضد أهل غزة، مثلنا – أو حتى مثل الكثير من الدول الأوروبية – لإنقاذ أهل غزة من بشاعتها وأهوالها، وإنما ليبدأ مشروعه لتحويل غزة إلى ريفيرا عالمية.. تجتذب أثرياء العالم.
إنه – وإن كان ينفي طرد أهل غزة من أرضهم – يردد الآن أنهم هم راغبون في هجرة أرضهم.. التي دمرت فيها مقومات الحياة. أي أنه لا يطردهم! وإنما يستجيب لتنفيذ رغبتهم! وبالتالي لا يكفي أن يستجيب ترامب لدعوتنا له – مع العديد من دول العالم – لوقف تلك الحرب البشعة ضد أهل غزة، وإنما يتعين أن تتسع الاستجابة لتشمل أولاً.. انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضي القطاع.
وثانياً الشروع فوراً.. في تنفيذ الخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع؛ خاصة خطة التعافي المبكر.. دون عقبات وعراقيل إسرائيلية.
ثالثاً الإعداد والتحضير لإقامة الدولة الفلسطينية، وبدء مفاوضات خاصة بذلك، فلا يكفي وقف الحرب.. وقوات الاحتلال تسيطر الآن على معظم أراضي القطاع، وترفض الانسحاب من أجزاء منه خلال هدنة الستين يوماً، ولا معنى من وقف الحرب.. دون أن يعقب ذلك فوراً إعادة إعمار للقطاع.
أما حل الدولتين، فهو الذي سيمنع تجدد الحرب.. سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية. وهذا ما نشاهده منذ يونيو 1967 حتى الآن.
إن هذا ما نطالب به ترامب. نحن نريد إنقاذ أهل غزة، وتحقيق سلام حقيقي مستدام.
وهو لن يتحقق إلا إذا حصل الفلسطينيون على حقهم المشروع في التحرر من الاحتلال.. مثل بقية شعوب العالم، وظفروا بدولتهم المستقلة.. وعاصمتها القدس الشرقية.
نقلاً عن «أخبار اليوم»