تتزايد التحذيرات من خطورة مقاومة مضادات الميكروبات عالميًا، وهو ما دفع مصر إلى تكثيف جهودها لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد الصحة العامة والاقتصاد. وفي هذا الإطار، أكد الدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء المصرية، خلال مشاركته في المؤتمر الوطني الثاني لمكافحة العدوى، أن مقاومة المضادات الحيوية أصبحت أحد أخطر التحديات الصحية، مشيرًا إلى تقديرات منظمة الصحة العالمية التي تتوقع أن تؤدي هذه المشكلة إلى وفاة 10 ملايين شخص سنويًا بحلول عام 2050، مقارنة بـ 4.95 مليون حالة وفاة مرتبطة بها في عام 2019.
وأوضح الغمراوي أن سوق الدواء المصري يُعد من أكبر الأسواق الإقليمية، إذ تصل قيمته إلى 308 مليارات جنيه، ويضم أكثر من 12 ألف مستحضر دوائي، بإجمالي مبيعات تبلغ 3.6 مليار عبوة سنويًا. وأضاف أن المضادات الحيوية تستحوذ على 10% من حجم السوق، حيث تُباع منها نحو 376 مليون عبوة سنويًا، إلا أن المشكلة تكمن في أن 55% من هذه الأدوية يتم صرفها دون وصفة طبية، مما يزيد من مخاطر الاستخدام غير الرشيد ويفاقم أزمة مقاومة المضادات الحيوية.
وفي مواجهة هذه التحديات، تبنّت هيئة الدواء المصرية استراتيجية متكاملة تستند إلى ثلاثة محاور رئيسية، أولها مراقبة استهلاك المضادات الحيوية، حيث انضمت مصر إلى برنامج الترصد العالمي (Glass-AMR) التابع لمنظمة الصحة العالمية لمتابعة معدلات استهلاك المضادات الحيوية وفق معايير دولية. كما أصدرت الهيئة قرارات تُلزم الصيدليات بعدم صرف المضادات الحيوية إلا بوصفة طبية، مع تكثيف حملات التفتيش على المؤسسات الصيدلية، مما أسفر عن ضبط وإغلاق 13 مؤسسة مخالفة خلال الأشهر الماضية. وأسهمت هذه الإجراءات في خفض استهلاك المضادات الحيوية القوية المخصصة للحقن بنسبة 20% خلال عام واحد.
أما المحور الثاني، فيتمثل في تعزيز التعاون مع الجهات المحلية والدولية، حيث تعمل هيئة الدواء المصرية بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، والهيئة العامة للخدمات البيطرية، لإعداد برامج تدريبية وتحليل بيانات استهلاك المضادات الحيوية في القطاع البيطري. كما تشارك مصر في تحديث الخطة القومية لمكافحة مقاومة المضادات الحيوية، إلى جانب انضمامها إلى الشبكة العالمية للوكالات التنظيمية لمواجهة الظاهرة.
وفي سياق متصل، تواصل الهيئة جهودها في مجال التوعية المجتمعية والمهنية، من خلال إطلاق مبادرات مثل “دوائك أمانك” و”صيدلي واعٍ.. مجتمع واعٍ”، بهدف تثقيف المواطنين والصيادلة حول مخاطر الاستخدام غير الرشيد للمضادات الحيوية. كما تتعاون الهيئة مع الجامعات لتنظيم مسابقات وبرامج تدريبية موجهة لطلاب الصيدلة، لضمان وصول التوعية إلى الأجيال الجديدة من المتخصصين في المجال.
وشدد الغمراوي على أن التصدي لمقاومة المضادات الحيوية يتطلب تضافر الجهود بين مختلف الجهات الصحية والتنظيمية، مؤكدًا التزام هيئة الدواء المصرية بمواصلة جهودها لضمان توفير مضادات ميكروبية آمنة وفعالة، بما يحقق التوازن بين تلبية احتياجات المرضى وحماية الصحة العامة من مخاطر هذه الظاهرة المتصاعدة.
