سمير مرقص
(1)
«الحلم حياة»
حول حلم/أحلام الغلابة، قدمت الدراما الرمضانية ثلاثة مسلسلات ممتعة فنياً وذهنياً. المسلسلات الثلاثة بترتيب مشاهدتها هي: «قهوة المحطة»، و«ظلم المصطبة»، و«80 باكو». تميزت بأنها مسلسلات حقيقية وحيَّة، أو لنقل إنها قدمت دراما من «لحم ودم»؛ عن بشر يعيشون بيننا وحولنا، ينتمون إلى تلك الشرائح الاجتماعية.. التي تقاوم – ليس فقط من أجل البقاء – في عالم الثراء الفاحش.. مجهول المصدر وطبيعة العمل، وفي عالم يتصدر فيه غير المستحقين صدارة المشهد، بل من أجل انتزاع حق الحلم: بحياة أفضل، وبتكافؤ الفرص، وبتلبية الحاجات الضرورية، وبتوفير الحد الأدنى.. من «الانبساط»، والستر، والحب، والأمان.
تلك الأحلام – التي تصنَّف بـ «الحقوق الطبيعية» لأي إنسان.. لا أكثر ولا أقل – تماثل الأحلام «الدون كيشوتية» الفطرية.. التي تتعلق بالقيم البسيطة، وإضافة إلى أنها تشكل الحقوق الطبيعية، تعتبر من المقومات الأساسية للحياة الإنسانية، التي دونها تستحيل الحياة. في هذا الإطار، قدم مبدعو المسلسلات ثلاثة نماذج درامية: نموذج أول يقدم الموهوب الحالم القادم من عمق الصعيد، بحثاً عن فرصة لتقديم موهبته (مسلسل قهوة المحطة). ونموذج ثانٍ عن الذين يهربون بأحلامهم إلى واقع مغاير، يمكِّنهم من جعل تلك الأحلام حقيقة (مسلسل ظلم المصطبة). ونموذج ثالث يصارع – بالرغم من صعوبة العيش – لكي يكتسب حق الحلم، ومن ثم تحقيقه.
(2)
«رواد وعاملو قهوة المحطة يقتلون الحلم»
في مسلسل «قهوة المحطة» – (تأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج إسلام خيري) – نرى «مؤمن الصاوي».. الممثل الموهوب، الذي اكتشف موهبته في قصر ثقافة طهطا – مسقط رأس الجد الطهطاوي، مؤسس النهضة الفكرية والثقافية لمصر الحديثة – ما دفع أستاذه إلى تشجيعه للحضور إلى القاهرة؛ التي يصفها: «بالسحر»، وبـ «الفن» و«بيته»؛ للتقدم إلى أحد اختبارات التمثيل. ولحظة ما حط عليها.. سرقه أحدهم، ولم يجد إلا قهوة المحطة يلوذ بها؛ إذ صار بلا مال أو هدمة أو محمول. سمح له المعلم صاحب القهوة بأن يبيت فيها مؤقتاً. وخلال الأيام التي بقي فيها، كان الجميع: العاملون بالقهوة وروادها الدائمون ينصحونه بالعودة. وبالأخير، اكتشف «مؤمن» كيف أنه قد وقع فيما وصفه الكاتب المبتدئ – أحد رواد المقهى – «فخ الغُلب»؛ ويتمثل في فساد اختبار التمثيل، وحصار عمال ورواد القهوة لحلم «مؤمن».. الموهوب، الذي تتجلى موهبته من خلال الفلاش باك.. لتجسيده مشاهد من مسرحية «مسافر ليل» لصلاح عبد الصبور، وفيلم ليوسف شاهين، ومسرحيات شكسبير.. الذي كان يحمل مجلداً بأعماله المسرحية المأساوية طول الوقت. واستطاع أن يكشف – خلال أيام – مدى المأساة التي يعيشها الجميع، ما كلفه حياته.. بقتله، لأنه عرف أكثر من اللازم.
ومن خلال البحث الجنائي، تتكشف حواديت عمال ورواد القهوة.. التي حاولوا إخفاءها عن «مؤمن»، والتي تعكس مناخاً لا يمكن أن تترعرع فيه المواهب، أو أن تتجسد فيه الأحلام. وينتهي المسلسل برسالة نصها: إلى كل مؤمن بحلمه، لا تتنازل أبداً عن حلمك. وإلى كل المحيطين به، إن لم تستطيعوا الإيمان بما يحلم، فعلى الأقل.. لا تقتلوا الحلم.
(3)
«ظلم المصطبة يقتل الحالمين»
أما مسلسل «ظلم المصطبة» – (تأليف أحمد فوزي صالح، وإخراج محمد علي) – فتقع أحداثه في واقع اجتماعي.. كان ريفياً؛ حيث شهد تحولات مجتمعية، كانت طاردة لأبنائها.. ليس للمدينة – التي بدأت تضيق بساكنيها – وإنما إلى الهجرة المؤقتة.. خارج الوطن للعمل؛ أي عمل والسلام. وكان من نتاج هجرة من هذا النوع العشوائي، أن تنتج لنا نوعين من العائدين.. كما يلي: عائدون معهم وفرة مالية، يستثمرونها في مشروعات ريعية أو تجارية سلعية. وعائدون مفلسون، يبحثون عما يعوضهم عن سنوات الغربة الفاشلة، بالبحث عما في الدفاتر القديمة، ما يمكنهم من البدء من جديد.
والنتيجة، أن تشكلت سياقات شائهة في الجغرافيات.. ما بين القرية والمدينة، يحكمها هؤلاء العائدون بالوفرة المالية.. وفق قيم وأعراف لا حداثية، تبرر الوفرة المالية، وكيفية مضاعفتها من خلال عمليات مالية؛ وبعضها خارج النظام الاقتصادي النظامي/الرسمي (من جانب)، وأخرى تمارس ضبطاً اجتماعياً وأخلاقياً.. على كل من تسول له نفسه الخروج على السياق الشائه الجديد.. من جانب آخر. وإلا فإن النتيجة هي إعمال «أحكام المصطبة الظالمة، القاتلة للحالمين»؛ التي تمثل عودة، ليس فقط إلى ما قبل قيم الدولة الحديثة، وإنما إلى ما قبل القيم الدينية والحضارية.
(4)
«80 باكو: حق الغلابة في الحلم»
وأخيراً يأتي مسلسل «80 باكو» – (تأليف غادة عبد العال، وإخراج كوثر يونس) – الذي يقدم دراما ناعمة.. لأحوال شريحة اجتماعية كبيرة، لم ترتق تعليمياً وثقافياً بالقدر الكافي، كما لم تتعلم حرفة يدوية.. تؤهلها أن تحمل لقب «أسطى» في أي مجال. بيد أنه من حقها أن يكون لديها حلمها. عن هؤلاء يتحدث المسلسل، وعن بطلته «بَسمَلة»- أو «بوسي».. سندريلا، التي تتعرض للكثير من الضغوط، ولكنها تعمل بدأب وجدية – بالفطرة – لكي تطور من قدراتها «ككوافيرة».. من أجل أن يكون لها حلمها الخاص «البسيط» بالأساس. ومن ثم العمل على تحقيقه.
وتفرض علينا الأحداث.. التفكير في البحث عن أحوال تلك الشريحة الاجتماعية العريضة في واقعنا، كما تجعلنا نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وأقصد الأسباب التي أنتجتها، وما تتعرض له من مشاكل وتحديات. ولكن وبالرغم من كل ما سبق، فالرغبة الإنسانية العارمة في الحلم.. تدفع بالبطلة – وزميلاتها وأقرانها في المسلسل – إلى مقاومة ما يتعرضن/يتعرضون إليه بالحلم، والتضامن من أجل تحقيقه.
وفي النهاية، تترك لنا المؤلفة والمخرجة الإهداء التالي: «إهداء إلى كل اللي بيكافح، ويعافر، ويقوم.. بعد كل وقعة».
وبعد، تحية لمبدعي الأعمال الدرامية الثلاثة.. الجميلة فنياً وذهنياً.
نقلاً عن «المصري اليوم«