عبدالله عبدالسلام
«هذه سنوات حرب وبلاء». هكذا قال العظيم نجيب محفوظ.. في رائعته «ثرثرة فوق النيل»، على لسان الحكيم «إيبو- ور». ذلك الحكيم الفرعوني.. يبدو كما لو أنه يعيش معنا الآن.
مصر، كما يقول د. بدر عبدالعاطي – وزير الخارجية – تواجه تحديات لم تشهد لها مثيلاً على الإطلاق. أزمات ومشاكل من كل اتجاه جغرافي. شرقاً.. العدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة، والأزمة السورية، والوضع الأمني والسياسي الهش في لبنان. جنوباً.. الحرب الأهلية في السودان، وأزمة سد النهضة. غرباً.. الاحتراب الأهلي والانقسام السياسي في ليبيا. حتى شمالاً.. هناك قضية ترسيم الحدود البحرية، والخلافات حول المخزون من الغاز.
في ظل تلك الأوضاع الاستثنائية، هل يمكن أن تتصرف الدول بشكل طبيعي؟
خلال السنوات الماضية، اتسمت الدبلوماسية المصرية بالهدوء والرزانة، وعدم الدخول في مهاترات. لكن عندما تتغير الأوضاع جذرياً من حولك. وعندما تحكمنا شريعة الغاب، وتتحكم غطرسة القوة.. في توجهات وسياسات طرف بعينه؛ هو إسرائيل. وعندما ينفذ «شذاذ الآفاق» – من المتطرفين وسفاكي الدماء – الذين يحكمونها، ويسعون لفرض مخططاتهم، ويتحدثون ببجاحة عن تشكيل جديد لخريطة المنطقة، فهل تجدي معهم الدبلوماسية الهادئة؟
قد تكون الرؤية المصرية للتعامل مع التحديات عظيمة، ومعبرة عن دولة بقيمة وتاريخ مصر، لكن الأسلوب الهادئ.. لا يحقق – تماماً – الغرض منها. لذلك، شعرت – كمصري – بسعادة عندما لاحظت أن الدبلوماسية المصرية.. في عهد الوزير عبدالعاطي، أصبحت ذات أنياب. تحاول التعبير عن رؤية الدولة، وطموح المواطن.. في الوقت نفسه.
لا يمكن أن يتفوَّه نتنياهو بأكاذيبه وترهاته عن أن مصر.. برفضها فتح معبر رفح، تجعل غزة سجناً للفلسطينيين، ولا نرد عليه. الوزير قال – في الندوة الأولى لبرنامج «صالون ماسبيرو الثقافي»، التي استضافتها الهيئة الوطنية للإعلام، برئاسة الأستاذ أحمد المسلماني – «التهجير لن يحدث. شاء من شاء وأبى من أبى.. نحن أمام حكومة عدوانية، لا تحترم القوانين ولا الأعراف، لا تمارس سياسات، بل مؤامرات».
نعم يحكمنا – كما أكد – مبدأ أساسي؛ هو الاتزان الاستراتيجي.. الذي يستهدف الحفاظ على الدولة الوطنية، واحترام سيادة الدول، وعدم استخدام القوة لحل النزاعات، واحترام القانون الدولي. لكن ذلك لا يعني الصمت على حرب الإبادة والتجويع والقتل. فضح إسرائيل وفظاعاتها، ورفض كل توجهاتها، يجب أن يكون عنوان هذه المرحلة المفصلية في تاريخنا. سياسة المعاملة بالمثل – التي أعلنتها الخارجية – مع الدول التي لا تحمي سفاراتنا، نموذج آخر للتغيير الإيجابي.. الذي حدث في عهد عبدالعاطي.
قبل سنوات، غيرت الصين تعاملها الدبلوماسي الهادئ.. تجاه الانتقادات التي كانت توجه إليها، واستبدلته بدبلوماسية «الذئب المحارب»، التي تعني الرد بنبرة عالية – وتصادمية أحياناً – مع التعالي الغربي، وإعطاء دروس عن حقوق الإنسان. نعم خففت بكين حالياً من لهجتها، لكن بعد أن أثبتت للغرب.. أنها ليس على رأسها «بطحة»، تخجل منها.
مصر ستظل قوة إقليمية تعمل للخير.. مهما واجهت من أزمات وتحديات، بينما ستبقى إسرائيل دولة مغتصبة.. عنصرية.. قاتلة.
وكما قال نجيب محفوظ في «الباقي من الزمن ساعة»: «هل يصح أن تهيمن على حياتنا قوة عمياء لا معقولة، تزري بما حصلناه من ثقافة وحضارة؟».
نقلاً عن «المصري اليوم»