Times of Egypt

خيتا وأعوانها الخاسئون.. صفحات مضيئة من تاريخ العسكرية المصرية (1)

M.Adam
زاهي حواس

زاهي حواس

لأول مرة في تاريخ الصحافة المصرية، ستنفرد «المصري اليوم» بنشر ترجمات لوثائق تاريخية مهمة، ظلت – منذ اكتشافها وإلي يومنا هذا – حبيسة المراجع التاريخية، لا يعلم عنها الكثيرون شيئاً.

وقد اخترنا واحدة من أهم وثائق العسكرية المصرية.. التي يعود تاريخها إلى زمن رمسيس الثاني، أعظم فراعنة مصر.. الذين بنوا مجدها القديم. والوثيقة التي سننشر ترجمتها تُعرف بين علماء المصريات باسم «التقرير الرسميThe Bulletin «، وهو التقرير الذي وُضع كوثيقة.. لما يُعرف بـ «معركة قادش«. ولكن قبل أن نبدأ بعرض التقرير، نرى من الضروري توضيح أمرين؛ الأمر الأول: هو تبرئة فرعون مصر العظيم.. من تهمة اضطهاد قوم موسى عليه السلام! بمعني أن رمسيس الثاني، ليس هو فرعون الخروج.. كما يطيب لليهود إقناع الناس عبر أبواقهم الدعائية. والدليل علي ذلك نصيغه باختصار.. من التقرير الطبي الخاص بمومياء رمسيس الثاني وسبب الوفاة.

توفي رمسيس الثاني في عام 1213 قبل الميلاد عن عمر ناهز الـ90 أو الـ91 عاماً، وكشفت الأشعة المقطعية.. أن الملك كان يعاني من التهاب تصلُّبي حاد في المفاصل، خاصة الفقرات العنقية والوركين، الأمر الذي تسبب في انحناء ظهره، وصعوبة الحركة في السنوات الأخيرة من عمره. كما كشفت الفحوصات عن تصلُّب في شرايين الساقين والذراعين.. ناتج عن ضعف الدورة الدموية. ورجَّحت الدراسات الطبية إصابته بمرض السكري وهشاشة في العظام. وانتهى التقرير الطبي إلى أن وفاة فرعون مصر العظيم رمسيس الثاني، كانت طبيعية، نتيجة تدهور صحته بسبب أمراض الشيخوخة. إذاً ملك مصر العظيم الذي حكم البلاد لحوالي 67 سنة من أزهى عصور التاريخ المصري القديم.. لا يمكن أن يكون هو فرعون الخروج.

الأمر الثاني: الذي يجب توضيحه.. قبل عرض وثيقة الموقعة الحربية المعروفة باسم قادش، هو أنه – علي الرغم من أن رمسيس الثاني خاض معارك كثيرة.. خلال سنوات حكمه، وخرج علي رأس الجيش المصري مرات عديدة – إلا أن معركة قادش ظلت عالقة معه طوال تاريخه، وكانت هي الأكثر تأثيراً عليه، وتحولت إلي ملحمة.. أكثر من كونها معركة حربية؛ كاد الفرعون الأشهر في التاريخ المصري القديم أن يفقد فيها حياته.. بدافع الحماسة المفرطة. وتحولت قادش – بفعل أحداثها – إلى دراما إنسانية عالية، تصل قمتها لحظة مناجاة رمسيس الثاني إلى آمون رع (رب طيبة، والإله الرئيسي لمصر.. منذ زمن الأجداد الأوائل لرمسيس الثاني، في عصر الأسرة السابعة عشرة).

يجب أن نعلم أن رمسيس العظيم لم يكن يحارب عدواً واحداً.. يُسمى بلاد خيتا أو الحيثيين – ومملكتهم تضم أجزاء كبيرة من سوريا وتركيا الآن – بل كان يحارب جمعاً من الدول والممالك.. التي يصفها التقرير بـ «الخاسئة أو الأذناب»! وهي دويلات وعشائر.. عاشت قبل آلاف السنين في منطقة الشرق الأدنى القديم بآسيا، وقد عدد تقرير الحرب أسماءها وذكرها بالتسلسل الآتي: «كل البلاد الأجنبية التي في أرض خيتا وأرض دردني؛ وأرض نهارينا وبلاد كشكش؛ وبلاد ماسا وأرض قرقشا مع بلاد روكا؛ وأرض كركميش وأرض إرثو؛ وأرض إكريث؛ وبلاد أرونا وأرض إنسا؛ وبلاد موشنات؛ وقادش وحلب؛ وأرض قدي«.

لقد قدمت لنا المصادر المصرية – وبشكل لا مثيل له – توثيقاً كاملاً لمعركة قادش، بل ولنتائجها أيضاً؛ ولا نكاد نغالي إذا قلنا إننا حتى نعرف التاريخ الدقيق لخروج جيش رمسيس الثاني لملاقاة الحيثيين وأذنابهم في قادش؛ في العام الخامس من حكم رمسيس الثاني؛ وفي الشهر الثاني من فصل الصيف؛ وبالتحديد في اليوم التاسع، ويوافق هذا التاريخ نهاية شهر أبريل عام 1274 قبل الميلاد.

ولقد قام علماء المصريات باتباع – وبشكل كبير – منهج جيمس هنري بريستد، عالم المصريات البريطاني، في تقسيم وثائق معركة قادش إلي ثلاثة مصادر رئيسية؛ المصدر الأول ويُعرف بملحمة بنتاؤور أو قصيدة بنتاؤو   (Pentauer Poem) وهي تسمية مضللة بعض الشيء، حيث إن بنتاؤور هذا لم يكن شاعراً، وإنما فنان قام بنقش قصة قادش علي جدران المعابد المصرية في زمن رمسيس الثاني، ووثّق ما نقشه من نصوص باسمه. ويضم المصدر الأول نقوش قادش المسجلة علي معابد الأقصر والكرنك والرامسيوم، بل وبردية تُعرف باسم «سالية الثانية».. المحفوظة بالمتحف البريطاني. أما المصدر الثاني فهو المعروف بالوثيقة الرسمية أو التقرير الرسمي  (the Bulletin)؛ وهو علي عكس الملحمة.. قصير ومقتضب، ويخلو من الجو الملحمي الذي يغلب علي المصدر الأول.

هذا التقرير الرسمي سجل – كذلك – علي جدران المعابد في الأقصر والكرنك، ومعبد أبيدوس، والمعبد الجنائزي – المعروف بالرامسيوم – ومعبد أبو سمبل. 

نأتي بعد ذلك إلي المصدر الثالث: ويضم صوراً، ومشاهد المعركة المصورة على جدران المعابد المذكورة آنفاً. وتعطينا هذه الصور والمشاهد.. تفاصيل رائعة لمجريات المعركة وأحداثها، بشكل يؤكد أن الحملة العسكرية لرمسيس الثاني، كانت تضم فنانين.. ساعدوا – دون شك – في توثيق معركة مهمة.. من معارك العالم القديم. 

وفي المقال المقبل بإذن الله سنعرض التقرير الرسمي لمعركة قادش، إحدى صفحات العسكرية المصرية المضيئة.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة