Times of Egypt

«خيتا» وأعوانها الخاسئون..  صفحات مضيئة من تاريخ العسكرية المصرية (2)

M.Adam
زاهي حواس

زاهي حواس 

تحدثنا – في المقال السابق – عن الظروف المحيطة بما يُعرف بالتقرير الرسمي.. الخاص بمعركة قادش الشهيرة.. بين الجيش المصري وجيش خيتا (أو الحيثيين، ومعهم جيوش البلدان والدويلات المتحالفة معهم) – التي يشير لها التقرير دائماً بـ«خيتا وأعوانها الخاسئون» – وفي هذا المقال، ننشر هذا التقرير الرسمي.. دون تدخل منا؛ إلا في بعض المواضع – للتوضيح فقط إذا لزم الأمر – ولكننا ننصح قبل قراءة هذا التقرير.. بالعودة إلى المقال السابق، لمن لم يطلع عليه.

 السنة الخامسة، الشهر الثالث من فصل الصيف، اليوم التاسع في عهد جلالة حورس، الثور القوي، محبوب العدالة. ملك الوجهين القبلي والبحري «وسر ماعت رع ستب إن رع»، ابن إله الشمس «رع- مس- سو (رمسيس) محبوب أمون».. معطي الحياة للأبد.

 كان جلالته في أرض زاهي، في حملته الثانية المنتصرة، صحو جميل في حياة وعافية وصحة في خيمة جلالته على الهضبة الجنوبية من قادش. وبمجرد أن انجلى الليل ظهر جلالته مثلما يشرق إله الشمس رع، وتجهّز بأسلحة أبيه الإله مونتو (إله الحرب)، ثم سار الملك شمالاً حتى وصل جلالته إلى الموضع جنوب مدينة شبتونا.

 وهناك أتى إليه اثنان من بدو الشاسو. جاء هذان الاثنان من الشاسو لكي يقولا لجلالته: إن زملاءنا من أكابر قبائل شاسو مع خيتا الخاسئة جعلونا نأتي إلى جلالته (رمسيس الثاني) لنقول لجلالته إننا سنكون خدماً للفرعون.. له الحياة والصحة والعافية. ولقد فررنا من أمير خيتا الخاسئ. هنالك قال لهم جلالته: في أي مكان يوجد أقرانكما؟ ومن أين جئتما لتقولا لجلالتي هذه الخطة؟ فقالا لجلالته: من المكان الذي فيه زعيم خيتا الخاسئ، لأن زعيم خيتا الخاسئ يقيم في أرض حلب في الشمال، وهو يخاف أن يأتي من الجنوب لفرعون له الحياة والصحة والعافية، حيث إنه سمع من يقول إن الفرعون له الحياة والصحة والعافية يتجه شمالاً.

تكلم هذان البدويان هذا الحديث – الذي قالاه لجلالته – زيفاً.. لأن زعيم خيتا الخاسئ جعلهما يأتيان للتجسس على المكان، الذي فيه جلالته، حتى لا يكون جيش جلالته مستعداً للقتال مع خيتا الخاسئ. ولذلك أرسلت خيتا الخاسئة هذين البدويين.. ليقولا هذا الحديث المزيف إلى جلالته. وقد جاء بمشاته وعرباته الحربية.. مع كبراء كل أرض من أقطار أرض خيتا الخاسئة بمشاتهم وعرباتهم الحربية التي أحضرها معه بالقوة.. للحرب ضد جيش جلالته، ووقف متحصناً خلف قادش المخادعة.. في حين لم يكن جلالته (الفرعون رمسيس الثاني) يعلم بالتحديد مكانهم، لأنه صدق ما قاله البدويان.

 ولذلك سار جلالته شمالاً حتى وصل إلى الشمال الغربي من قادش، وأقام جيش جلالته معسكراً هناك. وبينما جلالته جالس على عرش من الذهب.. في شمال قادش، على الشاطئ الغربي من نهر العاصي، هنا جاء كشاف (أحد رجال المخابرات الحربية المصرية) من أتباع جلالته، وقد أحضر جاسوسين من خيتا الخاسئة؛ وأتى بهما إلى مجلس جلالته،  فقال لهما جلالته: من أنتما؟ فقالا إن خيتا الخاسئ قد جعلنا نأتي لنتجسس على المكان الذي فيه جلالته.

 وسألهما جلالته: وأين خيتا الخاسئ الآن؟ انظر! لقد سمعت حقاً أنه في إقليم شمالي حلب في الجهة الشمالية من مدينة تونب، 

فقالا لجلالته: انظر! إن زعيم خيتا الخاسئ جاء مع الكثير من الممالك الأجنبية – التي أحضرها معه بالقوة من كل البلاد الأجنبية.. التي في أرض خيتا وأرض دردني؛ وأرض نهارينا وبلاد كشكش؛ وبلاد ماسا وأرض قرقشا مع بلاد روكا، وأرض كركميش وأرض إرثو، وأرض إكريث، وبلاد أرونا وأرض إنسا، وبلاد موشنات، وقادش وحلب، وأرض قدي كلها.. وهي مجهزة بمشاتهم وعرباتهم الحربية، وهم أكثر عدداً من رمال الشاطئ. انظر! لقد وقفوا على أهبة الاستعداد للحرب خلف قادش المخادعة.

 نتوقف هنا لنشرح ما حدث.. قبل أن نستكمل التقرير، في البداية كان الجيش المصري في معركة قادش منظماً في أربعة فيالق رئيسية، سُميت بأسماء الآلهة المصرية القديمة؛ الفيلق الأول هو فيلق أمون.. بقيادة رمسيس الثاني بنفسه، وكان في المقدمة عند عبور نهر العاصي.

والفيلق الثاني هو فيلق رع.. وكان يبعد مسافة يوم عن فيلق آمون.

 والفيلق الثالث هو فيلق بتاح.. وكان في الجنوب بعيداً عن قادش. 

والفيلق الرابع هو فيلق ست.

 وإلى جانب الفيالق الأربعة.. كانت هناك وحدة الصاعقة – أو القوات الخاصة – وتسليحها خفيف، ليناسب حركتها السريعة، وتتكون من جنود لهم تدريبات خاصة، وتسند لهم مهام قتالية صعبة. وكان كل فيلق يتكون من المشاة والعربات الحربية والرماة.

 تبدأ بوادر المعركة.. بخدعة يتعرض لها رمسيس الثاني، حينما كان متقدماً بفيلق آمون؛ حيث دس العدو جاسوسين ليضللا الملك، ويقولا له إن العدو لا يزال بعيداً عن قادش.. لما علم بقدوم الفرعون وجيشه. صدقهما الملك، وعسكر بجيشه إلى الشمال الغربي من قادش، وسرعان ما قام أحد رجال المخابرات بالقبض على جاسوسين آخرين.. ليتضح للملك أنه تم خداعه، وأن العدو خلف قادش، وليس كما قال الجاسوسان من قبل.

 يبدأ الحديث أحياناً بكلمة انظر! وتساوي في العامية المصرية «بص أو شوف»، وما زلنا في حديثنا مع بعضنا البعض، نبدأ بإحداهما لجذب انتباه الشخص الذي نتحدث إليه، مثل قولنا: شوف! الجواسيس قالوا لفرعون إن العدو لسه بعيد».

ونستكمل التقرير بإذن الله في المقال القادم.

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة