عبدالله عبدالسلام
كنت أتحدث مع زميل قبل أيام، فإذا به يُبدي استياءه من أسلوب تعاملنا مع الأخبار، والبيانات والتصريحات.. الصادرة من الجهات الحكومية والرسمية، يقول: عندما أريد تحويل البيان إلى مادة صحفية قابلة للنشر.. عن طريق تعميقه والإضاءة عليه، يكون رد رئيسي: التجويد ليس مطلوباً. خذ الخبر أو البيان كما هو. إنها نفس قاعدة: «سَكّن.. تسلم».. اللغوية العريقة، التي تعني أن يقف المتكلم – محاضراً أو خطيباً أو مُحدثاً أو قارئاً – بالسكون على آخر كل كلمة من كلامه، عجزاً منه عن ضبطها الصحيح.
الشاهد أن حياتنا – على كل المستويات تقريباً – تطبق هذه القاعدة بحذافيرها. عندما يتعرض الواحد فينا لنزلة برد، أو صداع، أو عارِض صحي آخر، يكون المُسَكّن هو الحل. ليس مهما رؤية الطبيب، وعمل الفحوصات اللازمة. يكفي تسكين الألم.
هناك توافق عام على ذلك.. من المريض والصيدلي، والأسرة أيضًا.
في المدرسة، القاعدة الأساسية: «لا اجتهاد مع النص». ذاكِر الدروس، والأفضل.. حِفظها كما هي. لا تتفلسف.
في الأمور الدينية كذلك. لا تقترب من النصوص، وتحاول أن تبحث عن فهم آخر.. غير المستقر والدائم. في المؤسسات الحكومية، حدِّث ولا حرج. شبكة أمان الموظف، هي قاعدة «سَكّن تَسلمْ». الموظف المثالي عندنا، هو من يحفظ اللوائح.. التي ورثناها كابراً عن كابر، ويطبقها ثم يعلمها ويسلمها لمرؤوسيه؛ كما في شخصية عثمان بيومي.. بطل رواية «حضرة المحترم»، للأديب الخالد نجيب محفوظ.
خلال الأسابيع الماضية، عندما تعرضنا لحادث الطريق الإقليمي، وحريق سنترال رمسيس، وسلسلة حرائق أخرى.. كانت الغاية التي سيطرت علينا.. السعي لوقف ما يحدث، حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه.. إنها سياسة الحد الأدنى؛ التي تقول إن تسكين المشاكل.. إنجاز في حد ذاته.
لا مراجعة جذرية.. للأساليب التي نتعامل بها، ونسير عليها. ولا تطوير أو تغيير أو إبداع.
ليس هناك إدراك، أن معالجة ما نتعرض له من مشاكل وأزمات.. بنفس الطريقة القديمة، ليس معناه فقط عودة هذه المشاكل – وربما بأحجام وتكلفة مادية وبشرية أكثر – بل امتدادها، وتوغلها في أماكن وأنشطة أخرى.. لم نكن نتوقع أن تطالها.
أحد الأسباب الرئيسية.. لإصرارنا على السير على هُدى «سَكّنْ.. تَسلمْ»، الخوف من التغيير.
تجاربنا المريرة، عَلَّمتنا أن القادم – في الغالب – أسوأ.. أوضاعاً وأشخاصاً، لذا نفضل.. لا إرادياً، استمرار الأمور كما هي، رغم معاناتنا منها.
حالة الرُّهاب من التغيير، والمستقبل.. جعلت بيننا وبين الخيال مسافات ضوئية. أصبحنا واقعيين تماماً. يبدأ الشخص فينا ثورياً.. حالماً بتغيير مصر والعالم، لكنه يتأقلم رويداً رويداً.. مع المناخ السائد.
يتعلم الحرص، ويراجع نفسه، وينبذ أفكار التغيير.
عندما يصبح رب أسرة، أو صاحب منصب، تُعلِّمه الحياة.. أن الدفاع عن الوضع الراهن.. أهم وأثمن كثيرًا.. من محاولة تغيير قد تؤثر سلباً.. على وضعه ومكانته.
المفارقة، أنه رغم شعبية قاعدة «سَكّن.. تَسلم».. الطاغية لدى المصريين، إلا أن المحصلة الناتجة عنها سلبية للغاية.
مشاكلنا وأزماتنا.. تتفاقم، أحوالنا المعيشية والتعليمية والصحية.. تتراجع؛ ومع ذلك، لا نزال مُصرين على أنها القاعدة المُثلى!!
نقلاً عن «المصري اليوم»