عادل نعمان
حين تكون الفتوى.. أعلى شأناً وأكثر نفوذاً من القانون. وتكون الخرافات والأساطير والإخباريات.. ثابتة ومعتمدة، وترقى فوق العلوم التجريبية والطبيعية. وحين يكون المشايخ والدعاة.. في الصدارة وفي الصفوف الأولى وفي المقدمة، والعلماء والمعلمون.. آخر الصفوف وفي المؤخرة، فإن هذه الأمثلة – وغيرها – كثير تكون نتائجها كالتالي: زواج الطفلة الصغيرة.. يصبح نموذجاً مقبولاً وموثقاً؛ حتى لو كان القانون يجرم. ويعاقب الولي، ومن عقد، ومن تزوج. وتكون الروايات والأساطير والمعجزات – التي أكدت الأبحاث والوثائق التاريخية عدم وجودها، أو حدوثها.. غير مثبتة تاريخياً – ركناً من الدين، يستمدون منه الأحكام الملزمة.. التي يعتمدها المشايخ، ويتعاملون ويتباركون بها.
أما عن المقدمة – التي حالوا بينها وبين مستحقيها من العلماء والمثقفين – فلا يجدون سبيلاً سوى التراجع والاعتزال، وكل هذا وغيره كثير، ومقدمات حتمية لفشل الدول وانهيارها.
حين تكون علوم الفضاء – وهو مجال علمي رحب، يدرس الكون وأسراره، والأجرام السماوية، والظواهر الطبيعية والكونية، ويشمل علم الفلك، والفيزياء الفلكية، وعلوم الكواكب، وعلم الكون، والبيولوجيا الفلكية والأجسام المادية خارج الغلاف الجوي للكرة الأرضية – ويكون هذا العلم المعقد واسع المجال.. موضوعا يربطه المشايخ.. بقواعد فقهية «كما يزعمون»، ويكون هذا الربط أمراً متاحاً ومقبولاً وميسراً.. لدى المشايخ فقط، ليس لأحد من الخواص أو العوام.. سواهم، فإن صعود وترقي الفضاء يوماً ما.. سيكون على ظهر البراق، وتكون البروتوكولات المستجدة.. حديثاً بين هيئة الفضاء ووزارة الأوقاف شهادة زور، يجب محاسبة من أقسم اليمين على اعتمادها، إلا إذا كان للأوقاف رأي في لباس رجال ميكروباصات الفضاء، وموعد الإطلاق قبل الفجر أو بعده ، وكتابة الأحجبة والأدعية.. لتحصين سفينة الفضاء من شرور الشياطين، فتعود بحمد الله سليمة محصنة.. عن طريق العلمين، أو الطريق الأوسطي.. دون حوادث أو كوارث، قد اعتدنا عليها كل يوم.. ويموت فيها المئات.
حين يصر الفقهاء على تحصين وتغليظ كلمة الزواج – القائم على بناء الأسرة بالمحبة – بلفظ «النكاح» وهو في معناه المختصر.. الوطء والجماع؛ فتكون العلاقة في الأسرة قائمة على «الرفس» و«المسافحة»، وتبدأ عند متعة الجسد والفرج، وتنتهي عند عجز المرأة.. عن تقديم خدماتها الجسدية، فيقرر الفقهاء وقف الإنفاق على الزوجة.. إذا تعذَّر الاستمتاع بها – برضاها أو لمرضها – فلا يحق لها النفقة أو العلاج أو الأدوية.. طالما امتنعت عن إمتاعه، ولبعلها الحق في إلحاقها بأهلها. وإن ماتت فليس لها في ذمته كفن.. يسترها في قبرها، وتكون المرأة سلعة تباع وتشترى مقابل المتعة فقط، فإذا «تعطلت» لأي سبب وجب، بيعها أو التخلص منها.
وطالما يصر المشايخ على اعتماد الزوجة.. مملوكة عند سيدها «لحديث آحاد»، وقد سمى النبي في الحديث المرأة عانية، فقال: (اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم)، والعانية «الأسيرة»، ولقول عمر بن الخطاب «إن الزواج رق.. فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته؟، ويعتمد الفقهاء (النكاح رق)، فإن المرأة مهما علا شأنها وعلمها، تُعامل معاملة المملوك «العبد» (هذا الرأي معتمد ومعتبر عند كل السلفية، كما أفتى بذلك شيخهم الذي علمهم.. ابن تيمية) ويصبح الضرب معتمداً ومقبولاً، والتحرش بها متاحاً، وكسر خاطرها مقبولاً، وشهادتها وديتها نصف الرجل، وتزويجها دون إرادتها ورغبتها.. جائزاً، ومشاركة العم وأبنائه ميراثها حلالاً.
وحين يكون الطلاق حقاً مطلقاً للرجل، يمارسه في غفلة أو في سهو أو في يقظة، وتهدم البيوت على رأس من فيها، ويشرد الأطفال دون جريرة ارتكبوها؛ لمجرد إطلاق اليمين شفاهة، وهذا رأي الفقهاء.. «إنه حق مطلق للرجل؛ يمارسه كيف شاء ووقتما يريد دون علة أو سبب أو مبرر». ولما قلنا إن هذا الحق المطلق.. قد تقلص بفعل الزمن والظروف، فقد شاركت المرأة الرجل الحق في الطلاق.. إذا وافق لها بتطليق نفسها، وتدخل الدولة – ممثلة في سلطة القضاء – حين شاركته هذا الحق في التطليق للضرر، أو الخلع، ولم يكن هذا متاحاً من قبل، وسواء كان هذا التنازل قد تم بالرضا أو بالجبر، وسواء كان متفقاً ومتوافقاً مع الشرع.. أو مناقضاً ومخالفاً له، فقد أصبح معمولاً به ومتفقاً عليه. فإن كان المجتمع في حاجة ورغبة في إثبات الطلاق بالطرق الرسمية – ويكون شرطاً لوقوعه – فإنه يصبح أمراً حتمياً، تفرضه ظروف الحياة، وتأمين المجتمع والأسرة؛ وهو الأصل في الرسالات، والهدف الأسمى من الأديان، إلا أن الفقهاء والمشايخ.. ما زالوا وقوفاً عند أبواب الماضي؛ لا يطرقونه، ولا يحاولون الدخول إلى المستقبل، وعلينا الطاعة والامتثال لهذا الفكر القديم.. دون النظر إلى مصالح الناس واحتياجاتهم.
لكن ما يريح القلب والعقل، ويدعو للتفاؤل.. أنه في المقارنة بين قوة القانون وقوة الشريعة، فيُفرض الانضباط وتحقيق العدالة لصالح القانون، فهو يتمتع بسلطة أقوى، ويعتمد على الردع المادي والرقابة الصارمة، في حين تعتمد الشريعة على الوازع الديني، وهو في الأغلب غير فعال، وبه لا تستقيم الأمور ولا ينضبط حال الناس.
(الدولة المدنية هي الحل)
نقلاً عن «المصري اليوم»