د. نيفين مسعد
انتهت جلسة مجلس الوزراء اللبناني – التي انعقدت يوم الخميس الموافق 7 من الشهر الحالي – إلى إقرار الورقة التي تقدم بها توماس باراك.. المبعوث الأمريكي الخاص لكل من سوريا ولبنان.
حددت الورقة أهدافها في إعلاء سلطة الدولة اللبنانية، وترسيخ وقف إطلاق النار، ووقف جميع الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، ونزع سلاح كافة الفاعلين غير الحكوميين.. وعلى رأسهم حزب الله بحلول نهاية العام، وانتشار الجيش اللبناني على الحدود، والانسحاب الإسرائيلي التدريجي من النقاط الحدودية اللبنانية الخمس.. التي احتلتها إسرائيل. وأخيراً ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وبين لبنان وسوريا.
ومن البداية، مهم توضيح أن الهدف ليس هو التوقف أمام العديد من السجالات الجانبية.. التي ارتبطت بجلسة مجلس الوزراء اللبناني؛ لأنه أمام كل رأي قيل.. يوجد رأي مضاد، فمثلاً إذا قيل إن اتفاق الطائف – الذي استندت إليه ورقة باراك – نصَّ على أن تبسط الدولة سيادتها على كامل أراضيها، وهو ما لم تمكن إسرائيل الدولة اللبنانية منه، سيرد بأن الطائف نص أيضاً.. على حل جميع الميليشيات، وتسليم سلاحها للدولة خلال ستة أشهر؛ وهو ما سمح لإسرائيل بانتهاك السيادة اللبنانية.
وإذا قيل إنه ما كان لمجلس الوزراء اللبناني.. أن يناقش ورقة أمريكية/إسرائيلية، سيرد بأن الورقة تضمنت معظم ما جاء في خطاب قسم جوزيف عون رئيس الجمهورية، وكلمة نواف سلام بعد تكليفه برئاسة الحكومة.
وإذا قيل إن الجلسة لم تكن ميثاقية – بسبب انسحاب كافة الوزراء الممثلين للطائفة الشيعية، حتى الوزير غير المحسوب على الثنائي الشيعي.. وبما يخالف مبدأ العيش المشترك – قيل إن هناك سابقة لاستكمال حكومة فؤاد السنيورة أعمالها، بعد انسحاب وزراء الشيعة، وإن ترتبت على ذلك تعقيدات كبيرة.
والقصد، أن مناقشة المرجعية والجوانب الشكلية.. مهمة بالتأكيد، لكن الأهم.. هو المناقشة العملية لسؤالين أساسيين؛ الأول: هو هل يمكن «نزع سلاح» حزب الله؟ وسيتعرض له مقال اليوم. والثاني: هو ماذا يضمن تنفيذ إسرائيل الالتزامات المطلوبة منها في الورقة؟ وسيأتي في مقال الأسبوع المقبل.
عهدت الحكومة اللبنانية للجيش.. بإعداد خطة لنزع سلاح حزب الله، بحيث ينتهي من إتمام هذه المهمة بحلول نهاية 2025.. أي بعد نحو أربعة أشهر من الآن. ومن حيث المبدأ، فإن أي دولة في العالم.. هي صاحبة الحق الوحيد والمطلق في حيازة السلاح، وذلك كي لا تعم الفوضى، وتتحول الدولة إلى ساحة للصراع بين جماعات مسلحة؛ كل منها يوظف سلاحه لتحقيق مصالحه الخاصة. ولدينا من نماذج فوضى انتشار السلاح – التي نعاني منها في وطننا العربي – الشيء الكثير.
ومن حيث المبدأ أيضاً، فإن إعادة بناء الدولة الجديدة في لبنان.. تفترض أن يكون بيدها – بشكلٍ حصري – قرار السلم والحرب؛ فلا تساق لحرب لا تريدها، ولا يفرض عليها سلام لا يلائمها.. مثلها – في ذلك – مثل أي دولة في العالم. لكن تكليف الحكومة اللبنانية للجيش.. بـ«نزع سلاح» الحزب، ينطوي على مخاطرة كبيرة؛ وذلك أن فعل «النزع»، ينطوي على استخدام العنف والقوة الإكراهية، وهذا يعني وضع الجيش.. في مواجهة الحزب مباشرةً. والذي يفهم لبنان جيداً، يعرف أنه – في كل المواجهات الطائفية التي شهدها لبنان – كان الجيش يقوم بدور الحاجز.. بين الطوائف المتنازعة، ويقدم على نزع فتيل الأزمات الطائفية. ولذلك، يكاد ينفرد لبنان.. بأنه البلد الوحيد في العالم، الذي يخاطب أهله الجندي في الخدمة.. بلفظ «وطن». هذا اللفظ – الذي يجعل الجيش هو الوجه الآخر للوطن، وينم عن التقدير الشديد للمؤسسة العسكرية – يعود في جوهره لسبب رئيس، هو أنه رغم كون الجيش قائماً على أساس المحاصصة الطائفية، إلا أنه يسمو فوق أي خلافات بين الطوائف، ويتصرف كمؤسسة مهنية احترافية.
لكن الزج بالجيش في مواجهة الحزب.. لنزع سلاحه بالقوة، قد يجعله طرفاً في عمل.. يفسره البعض على أنه موجه ضد الشيعة كطائفة، وليس ضد الحزب كجماعة.. سلاحها خارج إطار الدولة. والذي يتابع الكتابات الأخيرة لبعض المحللين الشيعة، يلمس شعوراً بالمرارة العميقة.. مما يعتبرونه استهدافاً للشيعة؛ كمكون لبناني أصيل، ولا علاقة لهذا الشعور بموقفهم من حزب الله.
ومع أن الموضوعية تقتضي القول.. إن هناك جهات خارجية تمارس التحريض، وتصور نزع سلاح حزب الله.. باعتباره يقلل من المكانة النسبية للشيعة اللبنانيين – مع إعادة رسم خريطة التوازنات السياسية بشكلٍ مختلف – فإن نفس الموضوعية.. تقتضي القول: إن الشعور باضطهاد الشيعة اللبنانيين له مبرراته الداخلية، التي قد لا يراها المحللون من خارج لبنان.. لكنها موجودة. ولا ننسى أن كثيراً من الشيعة – حتى غير المنتمين للحزب – يستفيدون من شبكة الخدمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية.. التي يوفرها الحزب؛ وهذا يجعلهم يعتبرون أن كل إضعاف للحزب، يؤدي للتأثير على الخدمات التي تصلهم عبره.
ما سبق، لا يعني الدفاع عن بقاء سلاح حزب الله.. خارج إطار سيطرة الدولة اللبنانية؛ لأنه وضع استثنائي بكل المقاييس، بل يعني أنه.. طالما أن نشأة الحزب ارتبطت بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية، فإن مسألة انسحاب إسرائيل.. من المفترض أن تسبق تسليم الحزب سلاحه للدولة.
أما الحديث عن «نزع السلاح» بالقوة؛ ففضلاً عن مخاطره الجسيمة على الاستقرار الداخلي اللبناني، فإنه غير ممكن من الناحية العملية، لأنه لو كانت كل مخازن سلاح الحزب معروفة، ومتاحة للمداهمة.. لما أخطأها الطيران الإسرائيلي.
أكثر من ذلك – وحتى في إطار اقتراح ورقة باراك.. للتزامن بين نزع سلاح الحزب، والانسحاب الإسرائيلي – فما هي ضمانات التزام إسرائيل بخارطة الطريق المقترحة؟
وهذا موضعه مقال الأسبوع المقبل.
نقلاً عن «الأهرام»