Times of Egypt

حول مفاوضات أمريكا وإيران 

M.Adam
نيفين مسعد

د. نيفين مسعد 

لم يعد سراً، أن هناك مفاوضات جارية بالفعل بين كل من الولايات المتحدة وإيران.. حول موضوع البرنامج النووى الإيراني، وذلك بعد أن وردت إشارة عابرة.. لوجود هذه المفاوضات على لسان دونالد ترامب قبل بضعة أيام، بقوله.. إن مسؤولين أمريكيين وإيرانيين يجرون محادثات. ثم أتى التصريح الواضح – على لسان رئيس الغرفة التجارية الإيرانية السابق حسين سلاح ورزي – حيث قال إن هناك مفاوضات مكثفة، تجري بين إيران وأمريكا.. في سلطنة عُمان. 

في التعليق على هذه المفاوضات الجارية، يمكن لنا إبداء بعض الملاحظات الأساسية.  

الملاحظة الأولى: هي أنه رغم الرفض الرسمي الإيراني حتى الآن.. لأن تكون المفاوضات مباشرة بين الطرفين، إلا أن هذا لا يمنع أن ينتقل التفاوض لاحقاً إلى الشكل المباشر؛ لأن المتابع لتصريحات المسؤولين والمحللين الإيرانيين، يلحظ أن رفضهم التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة.. يرجع لأسلوب إدارة ترامب في التعامل مع دولتهم، وقد اضطر في هذا الصدد حسين موسويان – الدبلوماسي الإيراني المخضرم – إلى لفت نظر ترامب.. لضرورة احترام إيران؛ كدولة إقليمية كبيرة ذات حضارة عريقة، ولأن شخصية على خامنئي.. تختلف جذرياً عن شخصية فلودومير زيلينسكي؛ ما يعني أن الأسلوب الذي يمكن استخدامه مع الرئيس الأوكراني، لا يصلح بتاتاً.. للاستخدام مع المرشد الإيراني. 

ويقودنا هذا، إلى استخلاص أنه من الوارد.. الانتقال إلى التفاوض المباشر، لو تغيَّرت – ليس فقط لهجة الإدارة الأمريكية، لكن أيضاً – أفعالها التصعيدية حيال إيران. أما كون هذا التغيُّر قد يحدث أم لا، فهذا في علم الغيب؛ فكما أن خامنئي ليس هو زيلينسكي، فإن ترامب ليس هو بايدن، وبالتأكيد ليس هو أوباما.. الذي كان يمكن التنبؤ بردود أفعاله، والبناء عليها. 

ويقودنا هذا للملاحظة الثانية على المفاوضات: وهي الخاصة بالسياق التصعيدي الذي تجري فيه، وهو تصعيد يمارسه الطرفان الأمريكي/الإسرائيلي والإيراني.. من باب استعراض القوة، وممارسة كل طرف.. الضغط على الطرف الآخر. هدَّد ترامب إيران.. بأنها مالم تسر في طريق المفاوضات، فإن البديل هو تعرضها لقصف غير مسبوق. وتكررت تصريحات المسؤولين الأمريكيين.. عن أن كل الخيارات واردة في التعامل مع إيران، وذهبت إسرائيل خطوة أبعد.. بإعلان القناة الرابعة عشرة، عن أن هجوماً واسع النطاق.. سيبدأ على إيران في وقت قريب. وبالتوازي مع هذه التصريحات، بدأت الهجمات الأمريكية العنيفة على الحوثيين في اليمن، وتوالت ضربات إسرائيل للبنان. 

وبدورها، فإن إيران تملك أوراقها؛ فمن التهديد بالرد العنيف على أي اعتداء على منشآتها النووية – وهو التهديد الذي كرَّره المرشد الأعلى، والعديد من أقطاب النظام الإيراني – إلى الكشف عن مدينة صاروخية جديدة، وتأكيد جاهزية القوة العسكرية الصاروخية والبحرية الإيرانية.. للردِّ المناسب، إلى التلويح بإمكانية اللجوء لإنتاج السلاح النووي، والعدول عن فتوى الخميني.. التي تحرِّمه، إلى المناورات العسكرية المشتركة مع كل من روسيا والصين.. مع إدراك إيران جيداً للقيود التي تحكم الموقف الروسي منها. 

الملاحظة الثالثة: هي أن عامل الوقت، يلعب لمصلحة الإدارة الأمريكية.. في عملية التفاوض، وهو ما لا يتوفَّر في موضوع غزَّة، ولا أوكرانيا. وذلك أنه باقٍ ستة أشهر فقط، على الثامن عشر من أكتوبر القادم الذي ينتهي فيه أجل الاتفاق النووي، وتنتهي معه أيضاً كافة العقوبات المفروضة على إيران، وتخرج من نطاق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. 

وتعلم إيران علم اليقين.. أنه يستحيل أن يقبل المجتمع الدولي بالوصول إلى هذا اليوم، بينما هي تمتلك كميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب، وأنه لابد من اتخاذ إجراء قبل ذلك. وعندما نتحدث عن موقف المجتمع الدولي، فإننا نعني بالأساس الدول الأوروبية الثلاث.. في الاتفاق النووي – أي فرنسا وبريطانيا وألمانيا – التي سبق لها أن دعت في نوڤمبر 2024… مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لإصدار قرار يُلزم إيران بتحسين تعاونها مع الوكالة.  

كما أننا نعني أيضاً روسيا – التي هي الشريك الاستراتيجي الكبير لإيران – ولعلنا نذكر ما اتفق عليه ترامب وبوتين، من «ألا تكون إيران في وضع يسمح لها بتدمير إسرائيل».. وفق البيان الصادر عن البيت الأبيض في مارس الماضي. وهو الأمر الذي يمكن وضعه في إطار صفقة أمريكية-روسية أكبر، فضلاً عن دوافع روسيا نفسها.. للحفاظ على أمنها القومي؛ برفض قيام دولة نووية إسلامية متشددة.. على حدودها. 

وتواجه إيران هذا الموقف الصعب.. بعدة طرق: فهي تدخل في التفاوض مع الولايات المتحدة، وتحاول تفكيك الموقف الغربي تجاهها.. من خلال التهدئة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودعوة رئيسها لزيارة طهران.. لمنع الدول الأوروبية من التوجه لمجلس الأمن. كما أن إيران ليست في وارد خسارة علاقتها بروسيا، لذلك ابتلعت على مضض.. التصريح الأمريكي-الروسي المشترك. 

الملاحظة الرابعة (الأخيرة).. حول القضايا موضوع التفاوض بين إيران وأمريكا؛ فلقد حدَّد ترامب – في رسالته لخامنئي – قائمة كبيرة جداً من المطالب.. اللازمة كشرط لرفع العقوبات الأمريكية عن إيران، وتجنُّب اللجوء إلى الخيار العسكري.  

لكن هل تدخل كل هذه المطالب.. في نطاق التفاوض بين الدولتين؟  

هذا أمر مشكوك فيه، فمن الوارد أن تقبل إيران تجميد تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، وتقبل بإدخال بعض التعديلات على الاتفاق النووي.. تتعلق بمدته، وبنظام الإشراف على تنفيذه. ويمكن لها أن تدفع بأنه.. لا علاقة لها بتسليح الحوثيين، أو بسلاح الحشد الشعبي.. حتى يُطلب منها التخلي عنهم، لكن صعب جداً أن تقبل بالتفاوض على برنامجها الصاروخي، لأنه أداتها الرئيسية للدفاع عن نفسها. 

وبالتالي، فإن من الجيد أن المفاوضات الأمريكية-الإيرانية قد بدأت بالفعل؛ فهذا – على الأقل – يؤجل المواجهة العسكرية بين الدولتين، لكنه لا يلغي أبداً احتمال وقوعها.. في حال تعثَّرت المفاوضات الجارية. 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة