Times of Egypt

حول الاتفاق الأمريكي-الحوثي 

M.Adam
نيفين مسعد

نيفين مسعد   

لم يأخذ الاتفاق – الذي توصَّل إليه كل من الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين في اليمن – حقه من الاهتمام الكافي.. بما يتناسب مع دلالاته العميقة. هذا الاتفاق.. الذي تم بوساطة عُمانية؛ يقضي بعدم استهداف الحوثيين السفن الأمريكية في البحر الأحمر، مقابل توقف الهجمات الجوية الأمريكية.. على المواقع والمنشآت الحيوية اليمنية. وبالتالي – بعد أن كان قد ساد لغط حول ما إذا كان الاتفاق يشمل أيضاً السفن الإسرائيلية أم لا يشملها – أكد الحوثيون.. على ألسنة العديد من مسؤوليهم، أن الاتفاق يخص السفن الأمريكية بشكل حصري، وأن الهجمات على السفن الإسرائيلية مستمرة.. طالما استمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأتبعوا القول بالفعل. 

في التحليل الأوَّلي لهذا الاتفاق، يمكن القول إن طرفيْه.. كانا في حاجة إلى التوصل إليه، فالضربات الأمريكية المستمرة ضد الحوثيين – منذ منتصف شهر مارس الماضي – كانت شديدة القوة وخلّفت وراءها خسائر جسيمة بشرياً ومادياً، ولقد أكد الرئيس الأمريكي على هذه النقطة بالتحديد.. في مؤتمره الصحفي، وأردف ذلك بالإشادة بقدرة الحوثيين على تحمُّل شدة القصف الأمريكي. وبالتالي، فمع أنه لم يكن متوقعاً أن تقضي الضربات الأمريكية على جماعة الحوثي، إلا أنها بالتأكيد كانت سوف تحجم قدراتها العسكرية. 

من جهة أخرى.. وجدت الإدارة الأمريكية في الاتفاق مع الحوثيين.. مخرجاً لها من المستنقع اليمني، الذي من غير المعروف متى يمكنها الخروج منه. وإذا كان هناك ثمة تفكير داخل هذه الإدارة.. في الانسحاب من سوريا التي تتمركز على أرضها منذ بضع سنوات، فمن باب أولى ألا تفتح على نفسها جبهة جديدة.. بلا أفق منظور. 

يمكن لآثار الاتفاق الأمريكي-الحوثي، أن تتضح أكثر.. عندما نقارن مخرجاته مع المخرجات المتوقعة من المفاوضات الأمريكية-الإيرانية غير المباشرة.. حول البرنامج النووي الإيراني؛ إذ تشترك الولايات المتحدة مع إسرائيل في هدف أساسي.. هو منع إيران من تصنيع سلاح نووي، وتختلفان حول أسلوب تحقيق هذا الهدف المشترك. 

يعزز هذا التقدير – من جانب دونالد ترامب – عاملان آخران؛ الأول: هو أن الإدارة الأمريكية – أو دعنا حتى نوسع الدائرة أكثر ونقول الإدارة الغربية – غير راغبة في القضاء بشكل مبرم على جماعة الحوثيين. ولعلنا نذكر.. كيف ظلت القرارات الدولية تنحاز إلى قوى الشرعية اليمنية.. المدعومة عربياً، حتى بدأ يرسِّخ الحوثيون أقدامهم على الأرض، فما إن تقدمت القوات اليمنية المدعومة إماراتياً.. صوب ميناء الحديدة – بعد أن كانت قد تمكنت من تحرير منطقة جنوب الحديدة – حتى طرحت بريطانيا على مجلس الأمن.. مشروع قرار يقضي بوقف إطلاق النار. وهكذا صار الحوثيون شركاء.. على قدم المساواة، مع قوى الشرعية في كل جولات التفاوض؛ بوصفهم سلطة أمر واقع.  

بقولٍ آخر، فإن الإبقاء على مستوى متوسط من التهديدات الحوثية (وبالتالي الإيرانية) أمر مطلوب لأسباب مختلفة.  

أما العامل الآخر: فإنه يتمثل فيما بدا واضحاً.. من رفض دول الخليج المشاركة في أي تحالف عسكري دولي ضد الحوثيين؛ فمن المعروف أن أياً من دول الخليج، عدا البحرين، لم يشارك في تحالف »حارس الازدهار» لتأمين الملاحة في البحر الأحمر، ومؤدى هذا الموقف.. أن تتحمل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون العبء كاملاً. 

هذا – إذن – ما يمكن أن نصل إليه.. من خلال التحليل الأوَّلي لآثار الاتفاق، وهو أن الطرفين الأساسيين مستفيدان من إبرامه.. لأسباب مختلفة. لكن للاتفاق آثاراً أخرى أهم، ويمكن لهذه الآثار أن تتضح أكثر؛ عندما نقارن مخرجاته.. مع المخرجات المتوقعة من المفاوضات الأمريكية -الإيرانية غير المباشرة.. حول البرنامج النووي الإيراني؛ إذ تشترك الولايات المتحدة مع إسرائيل في هدف أساسي.. هو منع إيران من تصنيع سلاح نووي، وتختلفان حول أسلوب تحقيق هذا الهدف المشترك. 

تعتمد الولايات المتحدة أسلوب »العصا والجزرة«، من خلال تفضيل الحل الدبلوماسي للمسألة النووية.. كخيار أول، مع التهديد – من وقت لآخر – باستخدام القوة الخشنة.. في حال تعثرت المفاوضات مع إيران. أما إسرائيل فلا تمسك إلا بـ »العصا «الغليظة.. التي تهدد بها منشآت إيران النووية، ونظام الحكم الديني القائم في إيران. المهم في هذه النقطة هو أن تلاقي الموقفين الأمريكي والإسرائيلي.. حول خطورة تحوُّل إيران إلى دولة نووية، أمر من شأنه أن يحافظ على أمن إسرائيل، وهذا غير متحقِّق في حالة الاتفاق الأمريكي-الحوثي. 

تبدو الولايات المتحدة – من خلال الاتفاق الأخير – وقد نجت بنفسها، وتركت إسرائيل تصارع وحدها.. التهديدات الحوثية لسفنها. ومن هنا أتت الصدمة الإسرائيلية.. التالية على الإعلان عن الاتفاق، وتأكيد بنيامين نتنياهو – ووزير دفاعه يسرائيل كاتس – على أن إسرائيل ستدافع عن نفسها، وستواصل قصف الحوثيين؛ وهو ما رد عليه مايك هاكابي، السفير الأمريكي لدى إسرائيل، وأحد أشد المدافعين عنها، بقوله إن الولايات المتحدة.. غير ملزمة بالحصول على إذن من إسرائيل، قبل الاتفاق مع الحوثيين. 

هذا التطور المهم في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، يجب وضعه في إطاره الصحيح؛ من حيث إنه تطور نوعي غير مسبوق.. بما يتضمنه من تخلٍّ عن إسرائيل في قضية الحوثيين، وهو بالفعل كذلك.  

لكن في الوقت الذي لا يمكن فيه تحميل الخلاف الأمريكي-الإسرائيلي في هذه القضية.. أكثر مما يحتمل، واعتباره تمهيداً لمرحلة جديدة في العلاقات بين الدولتين، فإنه – بالمثل – لا يجوز التقليل من أهميته، والذهاب إلى أنه نوع من توزيع الأدوار.. لا أكثر ولا أقل؛ فمن المؤكد أن إسرائيل.. راغبة في قطع  «أذرع» إيران في المنطقة، وكما هي تتحرك ضد »حزب الله« في لبنان، فإنها تتحرك أيضاً ضد الحوثيين في اليمن. لكن خروج الولايات المتحدة من المعادلة، سوف يحد من قدرتها على إضعاف جماعة الحوثي. 

نقلاً عن «عروبة 22« 

شارك هذه المقالة