Times of Egypt

حوار مثمر حول الأوضاع الإقليمية والعالمية

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد

عقد قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. مؤتمره السنوي يومَي الثلاثاء
والأربعاء 8-9 يوليو. وبينما خصص المؤتمر معظم جلساته.. للاحتفاء بالعطاء العلمي للراحلين
من أبنائه، ومناقشة قضايا تطوير أداء القسم، فإن الجلسة الأخيرة خصصت لحوار حول
الأوضاع الإقليمية والعالمية الراهنة، اتسم بدرجة عالية من العلمية، والانتماء الوطني، والتفكير
المستقبلي.
انطلقت بؤرة النقاش.. من الأوضاع الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، وأبعادها العالمية؛ بدءاً
بواقع البؤرة السرطانية في المنطقة – التي يرجع إليها السبب في كل ما شهدته من جرائم حرب
اعتباراً من 7 أكتوبر 2023 حتى الآن – فبسبب الاستعمار الصهيوني الإحلالي لفلسطين، وقعت
أحداث 7 أكتوبر.. وتداعياتها؛ كرد فعل للسلوك الاستعماري، الذي عرفته جميع خبرات
الاستعمار وحركات التحرر الوطني عبر التاريخ، وإن كانت تجربة الاستعمار الصهيوني
لفلسطين.. تتميز بدرجة عالية لتطرف المجتمع الإسرائيلي.
ومع ذلك، أظهر النقاش كيف شهد الكيان الإسرائيلي تداعيات واضحة.. لصمود المقاومة منذ 7
أكتوبر حتى الآن؛ منها – على سبيل المثال – الانقسام الواضح بين المؤسستين العسكرية والأمنية
من جانب، وحكومة نتنياهو من جانب آخر. وظهور بوادر لتململ أفراد الجيش – وبالذات من
قوات الاحتياط – وتبني بعض القيادات السياسية والعسكرية السابقة.. مواقف غير تقليدية؛ تدين
جرائم الحرب، وتدافع عن حق الفلسطينيين في دولة. وحدوث تحولات – لا يمكن قياسها بدقة
حتى الآن – في مواقف قطاعات من الرأي العام الإسرائيلي، ووجود مؤشرات على تراجع
اقتصادي حاد؛ خاصة مع التزايد الهائل في الإنفاق العسكري، وتزايد معدلات الهجرة من
إسرائيل، وأخيراً وليس آخراً.. اتساع الفجوة ولو نسبياً بين اليهودية والصهيونية؛ وهي فجوة
موجودة، منذ رفضت قطاعات وازنة من اليهود.. الحركة الصهيونية.. بمجرد نشأتها، واعتبرتها
خطراً على مستقبلهم.
وكانت بؤرة التركيز التالية – في الحوار – هي المقاومة وصمودها. وهنا أثير سؤال عن المقصود
بصمود المقاومة.. في ظل الخسائر البشرية والمادية الفلسطينية الهائلة، فتمت التفرقة بين هذه

الخسائر – التي عرفتها جميع حروب التحرر الوطني – وبين التأثيرات الإيجابية للمقاومة.. على
المسار التحرري. والواقع، أنه لولا المقاومة.. لطمست القضية الفلسطينية في رمال الاتفاقات
الإبراهيمية.
وكانت الإشادة تامة.. بصمود المقاومة في هذا القطاع الضيق من الأرض، في وجه جيش يقال
أحياناً إنه الجيش الرابع في العالم.. مدعوماً بالقوة العظمى الأولى.. عسكرياً واقتصادياً
ودبلوماسياً.
وقيل إن ما يجري من مفاوضات.. للتوصل لهدنة، لا يعود لرغبة ترامب في السلام، وإنما
لصمود المقاومة وبسالتها.
وكان طبيعياً أن يمتد النقاش.. للانقسام الفلسطيني، الذي يؤثر بالسلب – دون شك – على مردود
العمل المقاوم. وظهر – في هذا السياق – التفسير المصلحي لهذا الانقسام؛ ومفاده أن أطرافاً
بعينها.. تستفيد مادياً من هذا الانقسام، كما سبق وشاهدنا في صراعات أخرى.. كالصراع في
ليبيا، وتتطلب مواجهة هذا الانقسام جهداً مضنياً ..من كل القوى الوطنية الفلسطينية؛ مدعوماً
بظهير عربي مخلص، ونهجاً جديداً.. يفضح المتسببين في استدامة الانقسام.
وركزت البؤرة الثالثة للحوار.. على مواقف الدول العربية والإقليمية، ولاحظ المشاركون
اقتصارها على المستوى اللفظي، بل إن بعض هذه المواقف بدا وكأنه أقرب للموقف الإسرائيلي.
وطرح سؤالٌ.. حول ما إذا كانت هذه المواقف مؤقتة أم دائمة، وهنا تم التذكير بأن خبرة التاريخ
تشير إلى أن شيئاً لا يبقى على حاله.
ولنقارن مثلاً الأوضاع العربية بعد هزيمة 1948.. بنظيرتها بعد أقل من عقد من الزمن، حين
شهد الوطن العربي مداً قومياً غير مسبوق.
ولوحظ أيضاً، غياب أي مشروع عربي جماعي، يواجه المشاريع المطروحة.. من القوى
الإقليمية الرئيسية بالمنطقة. كذلك أثيرت – في الحوار – أفكار التوسع في التطبيع مع إسرائيل..
في هذه الظروف، وكيف أنها ليست بالبساطة التي تتحدث بها بعض الأطراف الخارجية..
صاحبة المصلحة في التطبيع.
كما أثيرت فكرة تغير طبيعة الصراع.. التي أظهرتها الجولة الراهنة للمواجهة؛ على الأقل من
منظور اقتصار المقاومة حصراً.. على الفاعلين من غير الدول، والمشاركة الإيرانية فيها.. على

نحو غير مباشر؛ بدعم فصائل المقاومة. ومباشر؛ بالمواجهات بين إيران وإسرائيل.. التي
شاركت الولايات المتحدة في آخرها.
وطرحت – في هذا السياق – ضرورة التنسيق بين الدول العربية، ودول جوارها الحضاري..
المتمثلة في إيران وتركيا، طالما أن التناقضات بينها ثانوية.. إذا قورنت بالتناقض مع إسرائيل؛
حتى يمكن مواجهة شرق أوسط نتنياهو.. الذي يمثل تجسيده – على أرض الواقع – تهديداً لا شك
فيه للأمن العربي.
وكان طبيعياً، أن يمتد الحوار للمواقف الدولية؛ فرصد الانحياز المطلق والتأييد الشامل والتنسيق
الكامل.. بين الولايات المتحدة وإسرائيل – من بداية المواجهة وحتى الآن – والمواقف اللفظية من
قبل روسيا والصين؛ حتى عندما اعتدِي على إيران.. من إسرائيل والولايات المتحدة، رغم
العلاقات الوثيقة التي تربط روسيا والصين بإيران. وأفضى هذا لتحليلات.. تناولت طبيعة
المرحلة الراهنة من مراحل تطور النظام الدولي، وكيف أنها مرحلة انتقالية.. يتآكل فيها القديم،
ولم يتشكل الجديد بعد.
كذلك أشير إلى العجز الفادح للمؤسسات الدولية، والهجوم الأمريكي الضاري على مؤسسات
العدالة الدولية.. بصفة خاصة.
ولم يفت المشاركون التنويه بتحولات الرأي العام العالمي – بما في ذلك داخل الولايات المتحدة
الأمريكية – وتمت الإشارة إلى أن قطاعات الرأي العام الغربي.. المؤيدة للحق الفلسطيني؛
باعتبارها.. هي التي تعبر عن – وتحمي – قيم الليبرالية وحقوق الإنسان، التي تجاهلتها حكومات
التحالف الغربي.
وأخيراً، تطرق الحوار لبعض القضايا الجديدة.. كالتحليل العميق الذي طرح للرأي العام في
جنوب أفريقيا.. تجاه القضية الفلسطينية، كما أثير حديث المستقبل، والتفاؤل التاريخي به.
وحظيت السياسة المصرية – بطبيعة الحال – باهتمام خاص؛ فأشير إلى التحديات التي تواجهها،
والقيود المؤثرة على حركتها، والإنجازات التي حققتها، وآفاق تطويرها؛ وهو ما يحتاج –
بالتأكيد – لمعالجة منفصلة، غير أن التجربة إجمالاً.. تميزت بالثراء، وأثبتت جدوى التفاعل بين
الجماعة الأكاديمية، وقضايا الوطن والأمة.
نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة