Times of Egypt

حلول صادقة للوضع النووي في الشرق الأوسط 

M.Adam
نبيل فهمي

نبيل فهمي 

الاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية على إيران، واستهداف المرافق النووية.. لها تداعيات عديدة، تصحبها احتمالات متعددة لسيناريوهات متباينة؛ حسب حجم الخسائر المادية في البرامج النووية، وردود الأفعال الداخلية في الدول الثلاث.. لنتائج الأحداث الأخيرة، بعدما تتضح وتظهر الأدلة والنتائج، بعيداً عن المهاترات السياسية السريعة والتقديرات المبدئية. 

لا خلاف على أن الخسائر الإيرانية، كانت أكثر من الخسائر الإسرائيلية بكثير؛ علماً بأن إسرائيل تُخفي خسائرها عن عمد، لأن قدرتها على تحمل الضغوط المعنوية.. للحشد المجتمعي الكامل، واستهداف مواقع داخل المدن الإسرائيلية.. لأول مرة، قد تقل كثيراً عن قدرة استيعاب المجتمع الإيراني. 

أتوقع أن تستمر إسرائيل في إثارة تساؤلات.. حول البرامج والسياسات الإيرانية، مع الاحتفاظ لنفسها.. بحق المبادرة عسكرياً، واستهداف المواقع، وستعمل على خلق ساحات توتر محكومة مع إيران، (وخارجها) في الشرق الأوسط؛ بغرض الحفاظ على وحدة الصف الداخلي، والدعم الغربي لمواقفها. وأن تركز على مسألة تخصيب اليورانيوم على وجه الخصوص، مع التطرق إلى القدرات العسكرية بمختلف جوانبها، وتحتفظ بحقها في استخدام القوة عبر الحدود، وهو من أهم الإنجازات الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة؛ خاصةً وأنه يتم دون محاسبة من المجتمع الدولي. 

لا تزال المواقف الأمريكية القادمة.. غير واضحة، فإذا انتفت مخاطر البرنامج النووي الإيراني، يفضل تجنب العمليات العسكرية المباشرة.. إلا في أضيق الحدود، على أن تكون إسرائيل هي اليد الطولى، والذراع الأمنية لها.. في المنطقة، مع يقينها أن التحرك الإسرائيلي.. يحمل في طياته دائماً مخاطر سحب الولايات المتحدة إلى الساحة العسكرية. ومن العناصر المهمة في حسم موقفها، التأكد من حظر التخصيب النووي الإيراني، وتوفير الشفافية بشأن البرنامج النووي الإيراني.. من خلال إجراءات موسعة للتفتيش، والضمانات الدولية. 

المواقف الإيرانية لها العديد من الاحتمالات، ويفضل الغرب تنازلها عن برنامجها النووي؛ وعلى وجه الخصوص تخصيب اليورانيوم، مع تسليم المواد عالية التخصيب، وهو ما تعتبره إيران استسلاماً سريعاً للولايات المتحدة، وتستبعده.. وفقاً لتصريحات المرشد الأعلى، ولكن ليس من مصلحتها الدخول سريعاً – مرة أخرى – في مواجهة عسكرية مباشرة، بعد الخسائر البشرية والمادية والسياسية الكبيرة. ويلاحظ أن تصريحات وزير الخارجية الإيراني.. كانت أهدأ وأكثر واقعية، لذا أرجح أنها تسعى إلى إطالة مدة الحوار والتفاوض.. لاعتبارات سياسية، والحفاظ على ماء الوجه.. إذا اختارت سبيل المهادنة مع أمريكا، أو حتى إذا سعت إلى إحياء البرنامج النووي، والعسكرية الإيرانية.. تحت غطاء من السرية الشديدة. 

من الطبيعي أن تقلق الدول العربية والخليجية من الأحداث الأخيرة، وأن تسعى لترتيب أوضاعها.. أمام مختلف السيناريوهات العديدة المحتملة؛ ومنها احتمالات التسريبات النووية، أو البرامج النووية العسكرية الخفية، أو تجدد المعارك مع إسرائيل.. وتأثيرها على أمن الخليج، وكلها مقلقةٌ بالنسبة لها، لذا تعد العدة لتكون أكثر استعداداً.. لمواجهة تلك الاحتمالات؛ من حيث تطوير إمكانيات الوقاية، والأمن القومي، والتكنولوجيا. ويمتد القلق والمراجعات إلى دول المشرق ومصر، لأن الصدام التكنولوجي-العسكري بين إيران (في الخليج) وإسرائيل في (جنوب غرب آسيا) ستكون له تداعياتٌ واسعةٌ في المشرق وشمال إفريقيا. 

للأسف، أرى صعوبة كبح جماح النظرة العدوانية الإقليمية.. للحكومة الإسرائيلية الحالية، في ظل مواقف أمريكية متحيزة، ولا بد من محاولة الحد من مخاطر وتداعيات الأحداث، بإخراج المعادلة النووية – بقدر الإمكان – من الاشتباك؛ مما يتطلب التعامل مع الحالة الإيرانية، وتسليط الضوء على المعرقل الحقيقي.. لمعالجة المخاطر النووية في الشرق الأوسط؛ وهي إسرائيل، قبل أن تخرج الأمور كليةً عن السيطرة، ونشهد تنامياً للبرامج النووية العسكرية الخفية. 

ورغم المماطلة الإيرانية المتوقعة – وبعضها مشروع.. في ضوء الأحداث الأخيرة، وسوء أداء مدير عام وكالة الطاقة الذرية – لن تهدأ الأمور أو الضغوط على إيران.. دون استئناف التطبيق الكامل لضمانات التفتيش الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية.. على البرامج النووية الإيرانية، والمزيد من الإيضاحات بشأن الأسئلة التي وضعتها الوكالة.. حول الدراسات الإيرانية لعسكرة برامجها النووية، فضلاً عن توضيح مصير المواد النووية – المخصبة إلى درجة 60٪ – ووقف التخصيب داخل الحدود الإيرانية، أو تخفيضها إلى أقل النسب. وهناك مطالب إسرائيلية وأمريكية بوضع ضوابط أيضاً.. على القدرات الإيرانية الباليستية والعسكرية. 

أعود وأكرر: إيران طرف في معاهدة منع الانتشار النووي، وقبلت بإجراءات التفتيش الإضافية على مرافقها. وبكل صراحة، من حقها قانونياً تخصيب اليورانيوم.. في الحدود الموضحة بالمعاهدة، وآلياتها الخاصة بالضمانات والتفتيش. وليس من حق أي دولة.. استخدام القوة ضدها، لمجرد وجود خلاف حول سياساتها. 

أعود وأكرر كذلك، أن الدولة الشرق أوسطية الوحيدة.. الرافضة الانضمام إلى معاهدة الانتشار هي إسرائيل، ومرافقها النووية غير خاضعة للتفتيش، ولديها مرافق لتخصيب اليورانيوم، بل يرجح أن لديها العديد من الأسلحة النووية، ووسائل إيصالها الجوية والباليستية. وهذا البرنامج.. هو الأخطر على أمن واستقرار المنطقة، من شأنه أن يخلق سباقاً لتطوير التكنولوجيا النووية العسكرية في الشرق الأوسط. 

ومن ثم، هناك حالة إيرانية.. يعطي لها المجتمع الدولي الأولوية، ويجب إيجاد حلول مبتكرة لها؛ تأميناً لاستقرار المنطقة.. رغم ازدواجية المعايير. وهناك حالة إسرائيلية.. تُستَثنَى من كل القواعد والمعايير، ويتغاضى المجتمع الدولي عن تجاوزاتها. وهذا واقع مهين ومشين، ويجب عدم السكوت عنه، وتصحيحه. 

مع صعوبة الموقف، يمكن التعامل مع الحالتين.. مع وضعهما في سياق أوسع إقليمياً ودولياً، من خلال إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي؛ بالتأكيد على ضرورة إخلاء الشرق الأوسط من كافة الأسلحة النووية.. خلال 12 شهراً. وتطبيق ضمانات تفتيش دقيقة.. على جميع المرافق؛ وهي مبادرة تبنتها مصر منذ خمسين عاماً.  

… على أن يتضمن القرار، إجراءات تفتيش إضافية.. لكل المرافق النووية بالمنطقة دون استثناء، ويشمل إنشاء هيئة دولية.. لمراجعة وتأمين توريد المواد المخصبة المطلوبة بالمنطقة، والإشراف على التخصيب المصرح به، وتوفير اليورانيوم لدول الشرق الأوسط.. بشكل منتظم؛ على أن يكون مقر الهيئة خارج الأراضي الإيرانية والإسرائيلية، وعلى أن تقبل إيران مكاشفةً كاملةً.. لبرنامجها النووي. مع انضمام إسرائيل إلى معاهدة عدم الانتشار النووي، وقبول نظام التفتيش على مرافقها. فضلاً عن انضمام كل دول المنطقة.. إلى معاهدة حظر التجارب النووية، وأن تعطي الدول النووية – دائمة العضوية في مجلس الأمن – ضمانات قانونيةً لدول المنطقة.. بعدم استخدام الأسلحة النووية ضدها. 

بهذه الخطوة، نكون قد وضعنا إطاراً مناسباً.. لتجاوب إيران مع كل المطالب المرتبطة ببرنامجها النووي، ووضعنا أيضاً.. إطاراً للتعامل مع البرنامج النووي الإسرائيلي.. في سياق صفقة كبرى، وخطوات من قبل إيران، وتطبيق منظومة تخصيب وتفتيش مفصلة، بما يؤمن المنطقة من المخاطر النووية.. الحالية والمستقبلية.. وفقاً لمعايير ثابتة على الجميع. 

نقلاً عن «إندبندنت عربية»  

شارك هذه المقالة