Times of Egypt

حكاية اليونانيين في مصر: متى بدأت وكيف انتهت؟

M.Adam
محمد أبو الغار 

محمد أبوالغار 

هذا كتابٌ شيّق، من تأليف ثيودور كينرون، نشرته الجامعة الأمريكية بالإنجليزية عام 2019. الجدّ الأكبر للكاتب.. وصل إلى الإسكندرية في نهاية القرن التاسع عشر، ودُفن في الإسكندرية. عاد الجدّ إلى اليونان عام 1961.. بعد تأميم شركته.

حضر التجّار اليونانيون إلى مصر في عصر محمد علي.. بتشجيعٍ منه، وساعدت على ذلك الظروف السيئة في اليونان، واستمرّت الهجرة إلى مصر في عصر سعيد وإسماعيل، وكان اليونانيون يرسلون أموالاً.. لأهلهم في اليونان. وعرض السلطان العثماني على محمد علي جزيرة كريت، مقابل إخماد الثورة اليونانية، ونجح في ذلك. إلا أنّ القوى الأوروبية حطّمت الأسطول المصري، وأُعلن استقلال اليونان عام 1830. وأصدر محمد على قوانين التسامح الديني، والحقّ في ممارسة الشعائر للأجانب، فساعد ذلك اليونانيين. وفي عهد سعيد، ازدهرت زراعة وتجارة وتصدير القطن، وانتشرت الجمعيات اليونانية في الدلتا.. لتجارة القطن. وكان والد الشاعر الشهير كفافيس، يعمل في كفر الزيات.

وأثناء ثورة عرابي، اقتربت البوارج البريطانية والفرنسية من الإسكندرية عام 1882، وأرسلت اليونان بارجتين.. لأنّ رئيس الوزراء اليوناني كان يتقرّب من بريطانيا لمساعدته. حدث صدامٌ بين المصريين والأجانب.. قُتل فيه 250 مصرياً و50 أوروبياً، وأرسلت اليونان سفناً لنقل اليونانيين من مصر. بعد الاحتلال البريطاني واستتباب الأمن.. عاد اليونانيون إلى مصر.

أغنياء اليونان اشتغلوا في استنباط أنواع جديدة من القطن وتصديره.. وعلى رأسهم عائلة بناكي، وبعضهم عمل في بناء القصور والمباني الفاخرة، بالإضافة إلى صناعة السجائر والاستيراد والتصدير.

الأغلبية من اليونانيين.. اشتغلوا في شركات وبنوك، وفي المهن الحرّة، وكانوا أصحاب محالّ بقالة فاخرة في المدن وفي الريف.

اهتمّ اليونانيون بالجانب الاجتماعي، فقاموا ببناء مدرسة ثانوية، وأخرى إعدادية.. للبنات، ومدرسة صناعية، وتبرّعوا لكلية التكنولوجيا في أثينا، وقاموا ببناء استاد رياضي. وساهم بعض اليونانيين في النشاط الوطني.. ضد الاستعمار البريطاني، فدعا زيزينيا الثريّ اليوناني مصطفى كامل.. لإلقاء خطاب أمام جمهور أوروبي في الإسكندرية، وكتب مقالاً باسمٍ مستعار.. عن دكتاتورية كرومر. وحضر رئيس وزراء اليونان فانيولوس عام 1915، واستقبله 25 ألف يوناني في شوارع الإسكندرية.

وأثناء ثورة 1919، حدث قلق شديد بين جميع الأجانب، وأُصيبت أعداد بسيطة من اليونانيين. وفي أثناء عنف 1921، توفّي بعض اليونانيين، فذهب وفد كبير من حزب الوفد، وألقوا كلمات.. عبّروا فيها عن غضبهم مما حدث. وأعلن القنصل اليوناني تضامنه مع الحركة الوطنية المصرية. وتمّ انتخاب اثنين من اليونانيين في المجلس المحلي للإسكندرية.. بدعمٍ من حزب الوفد. وفي عام 1930 حضر الوزير اليوناني بوليتس، وقابل الملك ورئيس الوزراء، وأعلن توثيق العلاقات المصرية اليونانية.

كان هناك قلق دائم لدى اليونانيين.. من إلغاء الامتيازات للأجانب، التي كانت تكفل الإعفاء من الضرائب، والمحاكمة أمام قنصل الدولة الأجنبية. وبعد فترة.. أصبح أمام المحاكم المختلطة. وفي عام 1937، وقّع النحاس باشا مع الأوروبيين.. إلغاء الاتفاقية، مع سماحٍ لمدّة 12 عاماً، تُلغى بعدها الامتيازات تدريجياً.

وبحلول عام 1950 أصبحت مجالس إدارة الشركات اليونانية، تتكوّن من يونانيين بالشراكة مع مصريين.

الفئات الاجتماعية الأقل، بدأت تعاني صعوبات.. بسبب قوانين العمل الجديدة وقوانين التمصير، وانخفضت أعداد اليونانيين في القرى، وسارع اليونانيون بطلب الجنسية المصرية، وحصل عليها ستة آلاف يوناني. خلال هذه السنوات الطويلة، قامت الجمعيات اليونانية بإنشاء مدارس ومستشفيات وملاجئ، واستطاع كفافيس أن يجعل الإسكندرية.. مركزاً للأدب اليوناني، وصدرت حوالي 40 مجلة أدبية واقتصادية ورياضية.

كان أغنياء اليونان لهم علاقة وثيقة مع أغنياء المصريين، وينظرون إلى باقي الشعب باحتقار، ولكن هذا الوضع تغيّر تدريجياً. وكان تمثيل المصريين في المجلس البلدي ضعيفاً في الإسكندرية، وأنشد بيرم التونسي قصيدته الشهيرة عن المجلس البلدي.

اليونانيون.. كان عندهم انتماء شديد للوطن اليوناني، وكانوا يسكنون في أحياء متجاورة، والطبقات الفقيرة كانت تعيش مع المصريين في حبٍّ وتفاهم.

أمّا نادي سبورتينج وكلية فيكتوريا، فكان يلتحق بهما أبناء أغنياء اليونانيين، وهم أقلية في الجالية. والدفعة الأولى من كلية فيكتوريا كانت تضمّ 196 تلميذاً، منهم 90 مسيحياً، و67 يهودياً، و19 مسلماً، ومعظمهم من الأجانب. وعموماً كان اليونانيون أكثر الأجانب التصاقاً ومعرفة بالمصريين. والنشاط السياسي اليوناني.. كان مرتبطاً بالأحزاب في اليونان، باستثناء نشاط اليونانيين في الحزب الشيوعي المصري. في عام 1942 كان 17٪ من اليونانيين يحملون الجنسية المصرية، وفي عام 1947 التحق 771 طالباً يونانياً بالمدارس المصرية.

وكان هناك نشاط أدبي كبير.. لكتّاب وشعراء يونانيين، نشروا روايات عن الريف المصري وحياة المصريين عموماً في أنحاء مصر، وأهمهم كفافيس، وشعره له وضع خاص، لأنّه شعر يوناني.. ولكنه عالمي.

وفي عام 1951 أعلن الوفد إلغاء معاهدة 1936، وبدأت الأعمال الفدائية في منطقة القناة، ثم حريق القاهرة.. الذي دمّر ما قيمته مليون جنيه من محالّ يونانية. وبعد 23 يوليو وحكومة الضباط الأحرار، شعر اليونانيون بالقلق الشديد.. بالرغم من طمأنة محمد نجيب لهم، وبدأت الهجرة إلى أستراليا أو العودة إلى اليونان، وباعت الجمعية اليونانية ممتلكاتها. وبعد حرب 1956 – وبرغم تعاون المرشدين اليونانيين في استمرار الملاحة في قناة السويس، وعدم اتخاذ اليونان موقفاً ضد مصر دولياً – إلا أنّ قرار التمصير في 1957، بدأ يخيف اليونانيين وبدأ خروجهم التدريجي. وحاولت الحكومة اليونانية مساعدة اليونانيين في مصر. وزار عبد الناصر اليونان في رحلة لمدة 6 أيام، ومع ذلك بدأت الحياة تزداد صعوبة على اليونانيين. أصبحوا يحتاجون إلى استخراج تصاريح عمل.. تعيقها البيروقراطية.

لم يخرج اليونانيون فجأة، ولم يتم طردهم، بل خرجوا بالتدريج. وبعد التأميم في عام 1961 غادر كبار الأغنياء، وتمّ تعويضهم من الحكومة المصرية.. بنصف ما قدّره اليونانيون.

كتب الأديب تيموس مالانوس – الذي عاش في الإسكندرية – «إنني سعيد لأني عشت في مصر كشخص عادي وكاتب، وأشعر بالامتنان ألف مرة، ليس فقط بسبب الحياة المبهجة في مصر، بل لأننا عدنا إلى بلادنا وثقافتنا سليمة، فكان لنا مدارسنا، واحتفظنا بهويتنا اليونانية».

وفي اليونان، تكوّنت «رابطة اليونانيين في مصر»، والتي تحاول حفظ الذاكرة، وتوثيق حياة اليونانيين في مصر.

«قوُم يا مصري، مصر دائماً بتناديك».

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة