Times of Egypt

حقوق المواطن- الإنسان.. في زمن اللامساواة العالمي (2-2)

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص 

(1)

جدل الحقوق- المساواة

نواصل عرض دراستنا، التي قمنا بتقديمها في مستهل فعاليات الصالون الثقافي.. للمجلس القومي لحقوق الإنسان بحضور الأصدقاء الأعزاء رئيس المجلس السفير الدكتور محمود كارم، والدكتور مجدي عبدالحميد.. المدير التنفيذي للمشروع الأوروبي، والدكتور عمرو الشوبكي الذي قام بإدارة اللقاء، إضافة إلى كوكبة من الحقوقيين والنواب والمثقفين. ففي الحلقة الأولى تحدثنا عن: 

أولاً: الميلاد المتزامن لمنظومة الحقوق: الإنسانية بفضل أفكار التنوير في القرن السابع عشر، والمواطنية بفعل نضالات شعوب/مجتمعات الدول القومية.. التي تأسست مع نظام وستفاليا 1648. 

ثانياً: انطلاقة القطار الحقوقي والاختلال المساواتي. ثالثاً: جدل الحقوق- المساواة.. بين التطور الاجتماعي وتبلور الفئات والطبقات الاجتماعية، وتكوُّن المؤسسات بأشكالها المختلفة، أن قضية العدالة/ المساواة.. أكثر من أن تكون قضية أخلاقية أو دينية محض، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً – بنيوياً وهيكلياً – بحركية المجتمع، وطبيعة الدولة.. بهياكلها ونمط الإنتاج السائد والتوجهات المعمول بها وعمن تعبر، وأخيراً السياسات القائمة ومدى قدرتها على تحقيق المساواة أم لا.

وفي هذه الحلقة نستعرض تلك العلاقة الوثيقة.. بين تطبيق منظومة الحقوق، وتحقق المساواة، وتتبعها.. هبوطاً وصعوداً على مدى 100 سنة منذ أزمة 1929، ومحاولات التنمية ما بعد الحرب العالمية الثانية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ثم تبنِّي سياسات الليبرالية الجديدة التي لم تزل باقية.

(2)

المسار التاريخي لمتلازمة الحقوق – المساواة في 100 سنة

بحلول سنة 1929، حدثت الأزمة الأبرز في تاريخ الرأسمالية والنظام الاقتصادي العالمي، ما ترتَّب عليه انطلاقة اللامساواة التاريخية بين القلة الثروية والكثرة المواطنية. فلقد شكلت أزمة الكساد الكبير عام 1929.. لحظة تاريخية مفصلية، إذ أبرزت الترابط العميق بين الاقتصاد والسياسة ومنظومة الحقوق: الإنسانية والمواطنية. ففي هذه الأزمة، انهارت البورصات، تراجعت معدلات الإنتاج، وانتشرت البطالة والفقر في مجتمعات القلب الرأسمالي، وبطبيعة الحال الدول والمجتمعات التابعة. 

وعليه، انكشفت الرأسمالية.. التي كانت تدَّعي أنه بتطبيقها، تضمن الإنسانية بلوغ الكرامة الإنسانية والحرية والمواطنة. كما بيَّنت الأزمة إخفاق الليبرالية الكلاسيكية التي صارت – منذ نهاية القرن الثامن عشر – تعبر عن «جيو ثقافة» النظام-العالم – حسب تعبير إيمانويل والرشتاين – في تحقيق وعودها الاقتصادية من ناحية، وقيمها الحقوقية الإنسانية والمواطنية.. بالكيفية التي تصورها مفكرو التنوير من ناحية، وساسة الدولة القومية من ناحية ثانية.

(3)

شرعنة حقوق الإنسان كونياً.. ودسترة حقوق المواطنة قومياً/وطنياً

عقب الحرب العالمية الثانية، تجدَّد زخم جدل الحقوق- المساواة؛ إذ عملت الأمم المتحدة على «شرعنة» حقوق الإنسان من جهة، ودول العالم.. كل واحدة على حدة، وحسب درجة تطورها وتوجهها السياسي، على «دسترة» حقوق المواطنة من جهة أخرى؛ من أجل الاستجابة لاحتياجات الإنسان-المواطن. وعليه وجدنا، في الفترة ما بين عامَي 1950 و1980، دول المركز.. تتبنى ما عُرف بالرفاه، وسعت الدول المحيطة بالمركز – المتدرجة التطور: دول المنظومة الاشتراكية (آنذاك)، ودول العالم الثالث – إلى اتباع نموذج تنموي يحقق لها النمو/ التنمية. 

ومن ثم انطلقت الدول على اختلافها.. إلى إعلاء شعار: المساواة في الحقوق Equality in Rights، والحقوق المتساوية Equal Rights؛ بل إن بعض الدول ذهبت أبعد من ذلك، فطرحت شعار المساواة في الطبقة (Equality in Class)، سعياً نحو عدالة اجتماعية جذرية. بيد أن الحصاد الختامي لجهود النماذج: الرفاهية المركزية الغربية، والتنموية الاشتراكية والعالم- ثالثية.. لم تستطع أن تفي بوعودها بتحقيق الرخاء الشامل للإنسان-المواطن. بلغة أخرى، نعم، استطاع زخم الحقوق-المساواة الذي تجدَّد عقب الحرب العالمية الثانية؛ بنموذجيه الرفاهي والتنموي، أن يحقق الكثير في مجالات تأمين الضمانات والخدمات الاجتماعية، وتحسن مستوى المعيشة، وارتفاع معدلات النمو والتوظف والاستقرار النقدي النسبي… إلخ، إلا أن هذا الزخم لم يقدر على الصمود أمام رياح الليبرالية الجديدة-العولمة، فتحول المواطن-الإنسان إلى مستهلك.

(4)

الليبرالية الجديدة ومأسسة اللامساواة وتراجع الحقوق

في ظل السياسات النيوليبرالية، تعرَّض العالم منذ سنة 1980، إلى ما يزيد على 200 أزمة اقتصادية متفاوتة القوة.. أدت – من ضمن ما أدت إليه – إلى تنامي الفقر وتآكل الطبقة الوسطى، التي تُعتبر تاريخياً عماد الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وبانهيار هذه الطبقة، اختل التوازن بين رأس المال والعمل، ما أعاد المجتمع إلى حالة من التفاوت الطبقي/المجتمعي الشديد.. الذي شهدته بدايات الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر.

هذه الاختلالات البنيوية، لم تقتصر على الشمال المركزي، بل امتدت إلى دول الجنوب العالمي، التي عانت من الاستعمار والاستغلال، لذا جاءت العولمة الاقتصادية/المالية.. لتعيد إنتاج الهيمنة بشكل جديد، من خلال تسيير المؤسسات المالية الدولية: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ للشأن المالي، واشتراطها تقليص الإنفاق العام وخفض الدعم وفتح الأسواق، ما زاد من هشاشة المجتمعات وأضعف قدرتها على حماية الحقوق الأساسية.

 وبعد، إن الحديث عن أزمة الحقوق – في زمن اللامساواة المتفاقمة عالمياً – يُحتِّم علينا إدراك مدى كارثية اللحظة التاريخية.. بالنسبة للشمال المركزي والجنوب العالمي على السواء. وإدراك أنه لا يمكن حماية منظومة الحقوق.. بالنصوص وحدها، ولا بتعهدات قانونية مجردة، بل بضمان توافر بُنَى عادلة، تعمل بدأب.. من أجل تأمين المساواة على جميع الأصعدة، ما يمكن أي إنسان-مواطن على ظهر الكوكب.. من ممارسة منظومة الحقوق الإنسانية والمواطنية؛ ما يعني ضرورة تفكيك البنى التي تحول دون المساواة، ومن ثم تُعطّل تحقيق هذه الحقوق. 

إن زمن اللامساواة الذي نعيشه اليوم، ليس قدَراً محتوماً؛ إذ يمكن تأسيس مشروع حقوقي: إنساني-مواطني؛ تتلاقى/تتقاطع فيه العدالة الاجتماعية الوطنية، والكرامة الإنسانية الكونية.

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة