Times of Egypt

حقوق المواطن – الإنسان.. في زمن اللامساواة العالمي (1-2)

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص

(1)

«الميلاد المتزامن لمنظومة الحقوق: الإنسانية والمواطنية»

بدعوة كريمة من المجلس القومي لحقوق الإنسان، قدَّمت ورقة بعنوان: «حقوق المواطن – الإنسان في زمن اللامساواة العالمي»؛ وذلك في مستهل فعاليات الصالون الثقافي – الذي انطلق قبل يومين بمقر المجلس – بحضور نخبة من المثقفين والناشطين الحقوقيين. وقد حاولنا في هذه الورقة أن نقارب ثلاثة أمور؛ الأول: الميلاد المتزامن لحقوق الإنسان وحقوق المواطنة. والثاني: أنهما تجليان لمنظومة الحقوق العامة، والثالث: أن هناك جدلاً ينشأ بين هذه المنظومة الحقوقية: الإنسانية-المواطنية، وبين السياق المجتمعي: الاقتصادي والسياسي والثقافي، ما يؤثر على المساواة بين المواطنين. 

بالنسبة للأمر الأول؛ فلقد قمنا بتتبع مسيرة الحقوق: الإنسانية-المواطنية.. في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي شهدها العالم، منذ القرن السابع عشر وإلى اليوم. ورصد أثر/آثار تلك التحولات على فعالية الحقوق ببعديها: الإنساني والمواطني، ثم التمتع بها، وممارستها على أرض الواقع؛ ما استدعى تأصيلاً تاريخياً حول كل من حقوق الإنسان وحقوق المواطنة.. التي وُلدت في وقت واحد تقريباً. إذ ولدت قيم وأفكار حقوق الإنسان من رحم إبداعات مفكري التنوير، الذين أسهبوا في الحديث عن الحقوق الطبيعية.. المُستحقة للإنسان. ولم تكن لهذه الإبداعات أن تولد، ما لم يكن السياق المجتمعي: الاقتصادي والسياسي والثقافي.. قد طاله تحول جذري جوهري، ما استلزم أفكارا تنويرية، تجسد تلك النقلة التحولية التحررية من الأبويات/البُنى السياسية والدينية والثقافية «العسوفة». 

واكب ذلك خروج الحقوق في بعدها المواطني.. إلى النور، بفعل الدولة القومية/الوطنية، التي أسسها نظام وستفاليا عام 1648، الذي عُد نقطة تحول مهمة، ليس فقط في التاريخ الأوروبي، وإنما للنظام الدولي أيضاً. فلقد استطاعت «وستفاليا» أن تنقل أوروبا من إقطاعيات متنافسة.. إلى دول ذات سيادة، محققة المساواة فيما بينها – بدرجة أو أخرى – ومن ثم إتاحة الفرصة لتأخذ مكانا بين البشر في كل دولة على حدة. بيد أن هذه المساواة الداخلية بين أفراد كل دولة على حدة.. لم تتحقق تلقائياً، وإنما بجهد وحركة الناس النضالية.. لتحقيق المساواة في الداخل القومي/الوطني.

(2)

«انطلاقة القطار الحقوقي والاختلال المساواتي»

كان من المفترض أن يمضي القطار الحقوقي قُدماً دون تعطل – خاصة أن الثورة الفرنسية في 1789 قد أصبغت على الحقوق الإنسانية-المواطنية – الشرعية التاريخية؛ من خلال اعتماد الجمعية الوطنية الفرنسية ما أطلقت عليه: «إعلان حقوق الإنسان والمواطن»، وهو الإعلان الذي صار مرجعاً للنصوص الحقوقية وكذلك للتجارب الميدانية.. التي دارت حول الحقوق بتجلييها الإنساني-المواطني. بيد أن مجتمع ما بعد الثورة الفرنسية لم يعد هو المجتمع البسيط الإقطاعي، وإنما بات المجتمع أكثر تركيبا.. عقب الثورة الصناعية، وحدوث نقلات علمية وتكنولوجية مذهلة، وعليه ثارت قضايا معقدة حول قضايا.. الأجر والربح، والحقوق، والعدالة الاجتماعية، وأنظمة الضمان الاجتماعي. 

عند هذه النقطة بدأ المفكرون والمعنيون.. الانتباه إلى أن التغيرات المجتمعية Societal، التي تحدث مع كل تحول يلحق ببنية المجتمع، ويحدث تحولات عميقة في بناه المتعددة، وتفاوتات كثيرة بين البشر على كافة الأصعدة. فلا مساواة مدنية وسياسية.. تتمثل في اختلال المساواة أمام القانون، ومنع حق التمثيل السياسي عن بعض شرائح المجتمع. كذلك لا مساواة اقتصادية واجتماعية – أو ما بات يُعرف في الأدبيات المعاصرة «بتكافؤ الفرص» – بين الجميع دون استثناء. وأخيرا لا مساواة ثقافية تعوق البعض – دون غيرهم – في التعبير والممارسة عن الرموز والطقوس الثقافية والعقائدية. كما لوحظ أنه يمكن أن يقوم أولو الأمر.. بعملية توزيع غير عادلة للأفراد/المواطنين، أو يقوموا بتوزيع عادل لمن لا يستحق. تبين بوضوح.. أن ظاهرة التفاوت الاجتماعي أو اللامساواة، قد اعتبرها جان جاك روسو.. شكلاً من أشكال العنف والإكراه مهما تذرع بالقوانين والسنن.

(3)

«جدل الحقوق ــ المساواة»

بين التطور الاجتماعي، وتبلور الفئات والطبقات الاجتماعية، وتكون المؤسسات.. بأشكالها المختلفة، فإن قضية العدالة/المساواة أكثر من أن تكون قضية أخلاقية أو دينية محض، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً – بنيوياً وهيكلياً – بحركية المجتمع، وطبيعة الدولة.. بهياكلها، ونمط الإنتاج السائد، والتوجهات المعمول بها وعمن تُعبر، وأخيراً السياسات القائمة ومدى قدرتها على تحقيق المساواة أم لا. وكانت ذروة هذه النقاشات والالتفات الحاسم لقضية العدالة/المساواة مع الثورة الفرنسية؛ حيث تم تأسيس مبدأ «الحق في المساواة»، من خلال «إعلان حقوق الإنسان والمواطن». 

لقد فتح هذا المبدأ آفاقاً جديدة على المستويات المدنية، والقانونية، والسياسية.. وأخيراً الاقتصادية، والاجتماعية. وبالنسبة للمساواة الاقتصادية والاجتماعية، فلقد انطلقت من نص تضمنته الوثيقة الفرنسية.. لتؤكد «العدالة ذات السرعة المزدوجة»، في تأمين توزيع الأعباء والمزايا الاجتماعية. بيد أن هذا المبدأ لم يمنع من اكتشاف أن كل الأفراد.. لا يستفيدون من الفرص نفسها، حسب مراكزهم في السلم الاجتماعي. ومن ثم يتراوح تفعيل منظومة الحقوق. 

وبعد، فقد حل القرن العشرين، واشتعلت حربان عالميتان، وتعرض العالم – الذي أطلق الحقوق – لأزمة اقتصادية تاريخية، ومن ثم تبين أن منظومة الحقوق – سواء على مستوى الإنسان ككائن كوني، أو المواطن الذي ينتمي إلى جماعة وطنية/دولة بعينها – قد باتت تعاني الكثير… نواصل.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة