د. أحمد يوسف أحمد
شهد اليمن – منذ مطلع الشهر الحالي – تطورات خطيرة؛ تمثلت في محاولة المجلس الانتقالي الجنوبي.. وضع مشروعه لتفكيك وحدة اليمن موضع التطبيق، وذلك بالسيطرة العسكرية أولاً على حضرموت والمهرة، والدعوة ثانياً لاعتصام شعبي مفتوح.. يؤيد المشروع الانفصالي، في محاولة لإكساب هذا المشروع شرعية سياسية.
وتعود جذور المشروع الانفصالي في اليمن.. للممارسات الخاطئة لحكومة علي عبدالله صالح في الجنوب، بعد أن نجحت في هزيمة القوات الجنوبية.. التي حاولت الانفصال في 1994، وترتب على هذه الممارسات ظهور ما سُمي بالحراك الجنوبي، الذي بدأ بحركة مطلبية لإزالة المظالم.. التي وقعت في الجنوب بعد إجهاض محاولة الانفصال. وإزاء تجاهل هذه المطالب، تحول الحراك من حركة مطلبية.. إلى حركة انفصالية؛ تهدف لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل توحيد شطري اليمن في 1990.
وقد مثل انتصار الانتفاضة الشعبية اليمنية 2011، فرصة حقيقية لإعادة قطار الوحدة إلى مساره الصحيح، ذلك أن مؤتمر الحوار الوطني – الذي انعقد بموجب المبادرة الخليجية، التي أفضت لتنحي صالح وانتخاب نائبه عبد ربه منصور هادي رئيساً – وضع القضية الجنوبية في صدارة أولوياته، واتخذ من القرارات.. ما يضمن إعادة التوازن في العلاقة بين شطري الوحدة الشمالي والجنوبي، ويكفي أن تلك القرارات قد اعترفت.. بأخطاء الماضي في حق الجنوب، وعملت على جبر الأضرار التي لحقت به.. بكل الوسائل؛ من تعويضات، وإعادة ممتلكات، وإعادة مفصولين لمناصبهم. كما حوَّلت الدولة اليمنية – وهذا هو الأهم – من الصيغة المركزية للصيغة الاتحادية (الفيدرالية)، فضلاً عن وضع معايير عادلة لتوزيع عائدات النفط والغاز.. بطريقة تراعي حاجات الأقاليم المنتجة، ناهيك بضمانات تتمثل في التوازن التام بين الشمال والجنوب.. في جميع الهياكل القيادية التنفيذية والتشريعية والقضائية، في الدورة الانتخابية الأولى، رغم التفوق السكاني للشمال.
وبعد الدورة الأولى، ينص الدستور الاتحادي على آليات تنفيذية وتشريعية وقضائية.. لحماية المصالح الحيوية للجنوب، وعدم إجراء أي تعديل دستوري يخصه.. إلا بموافقة أغلبية أعضائه في مجلس النواب. وقد ترجم مشروع الدستور الاتحادي جميع هذه الضمانات تفصيلاً، غير أن الانقلاب الحوثي – في سبتمبر 2014 – أوقف هذا المسار، وسمح لاحقاً.. للعناصر الانفصالية.. المدعومة خارجياً، بإعادة إحياء المشروع الانفصالي، وتبدَّى ذلك بوضوح في تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017، الذي لم تُخْف قيادته – في أي وقت من الأوقات – مشروعها الانفصالي، ولذلك فإن الادعاءات السخيفة.. التي يروجها بعض أنصار المجلس؛ بأن التحركات الأخيرة لقواته.. كانت تهدف لتصفية بؤر إمداد الحوثيين بالمساعدات، تفتقر لأي أساس. كما أن هذا البعض.. هم أول من يعلم أن نجاح مشروعهم الانفصالي، يمثل أكبر خدمة للحوثيين.. بقدر ما يُضعف الحكومة الشرعية اليمنية، فما العمل؟
في الإجابة عن هذا السؤال المصيري، أطرح النقاط الأربع التالية:
أولاً: إن الحفاظ على الوحدة اليمنية بأي ثمن، يجب أن يكون نقطة الانطلاق لأي تحرك، وفي إطارها تتحقق كل مطالب أهل الجنوب، وهو ما يعني أن هزيمة المشروع الانفصالي.. هو الهدف الاستراتيجي لأي تحرك، ليس من أجل وحدة اليمن فحسب، وإنما من أجل هويته أيضاً، ولقد توقفت طويلاً أمام مسمى الدولة التي ينشدها الانفصاليون (دولة الجنوب العربي)، وهو مسمى يحرم هذا الجزء العزيز من اليمن.. من هويته اليمنية، ويعلم الذين يتذكرون السنوات الأخيرة للاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، أن هذا كان الاسم المفضَّل لدى سلطات الاحتلال، وهو الاسم الذي أطلقته على الكيان الزائف – الذي أسسته وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة – (اتحاد الجنوب العربي)، الذي انهار من داخله.. بفعل المد التحرري المتصاعد آنذاك.
ثانياً: كل الاحترام والتقدير لأهل الجنوب – الذين سطَّر آباؤهم واحدة من أمجد المعارك في تاريخ حركات التحرر الوطني – ولمطالبهم المشروعة، ومن الأهمية بمكان.. أن يكون واضحاً، أن مطلب الانفصال ليس موضع إجماع. بل على العكس، فإن معلوماتي الميدانية.. تفيد بأن تحركات قوات المجلس الانتقالي الأخيرة في حضرموت والمهرة، لم تكن موضع ترحيب شعبي؛ وهو ما يثير أسئلة مشروعة.. حول وزن الأدوار الخارجية في إذكاء نار الفتنة. وقد أضيف – في هذا السياق – أن إسرائيل تراقب الموقف بسرور بالغ، خاصة على ضوء تصريحات رئيس المجلس الانتقالي – في جامعة كولومبيا في سبتمبر الماضي – بأن الجنوب حين استقلاله، سيكون أقرب للانضمام للاتفاقات الإبراهيمية، وهي تصريحات تضيف مزيداً من الرتوش للوحة الانفصال. ومعروف وموثق.. دور إسرائيل ضد ثورة سبتمبر 1962 في اليمن، بالتعاون مع سلطات الاحتلال البريطاني.
ثالثاً: آن الأوان للعمل الجاد من الجميع.. لتوحيد معسكر الشرعية؛ كي يكون قادراً على التصدي لأي محاولة للنيل منها. ولا أُزيد، فأهل مكة.. أدرى بشعابها.
رابعاً: يجب ألا يُترك اليمن وحيداً في هذه الظروف، فقضيته لا تخصه وحده، وإنما هي ذات صلة عضوية.. بما يجري أمام أعيننا؛ من محاولات مستميتة لتفتيت أقطار الوطن العربي إلى شظايا، تجعل استعادته تأثيره الإقليمي والدولي محالاً؛ كما نتابع مما يجري في السودان وسوريا وغيرهما.. للأسف. ولقد نجح العراق في الحفاظ على وحدته الوطنية.. رغم تباين مكوناته العرقية. فما بالنا بالشعب اليمني الواحد عبر التاريخ. وتتحمل السعودية – قائدة التحالف المناصر للشرعية – مسؤولية خاصة في هذا الصدد، كما آن الأوان كي تلعب الجامعة العربية دوراً حاسماً.. في الحفاظ على وحدة اليمن، ولديها من الكفاءات والأجهزة.. ما يمكنها من هذا، وأخيراً فإن مصر تتحمل مسؤولية خاصة بدورها.. بحكم سياستها العربية الرشيدة، وأهم مكوناتها الحفاظ على كيانات الدول الوطنية العربية. وبحكم تضحياتها من أجل يمن عصري مستقل، وبحكم الضرر الذي سيلحق بمصالحها الحيوية، لو انتصر مشروع الانفصال بتوجهاته المشبوهة.. لا قدَّر الله.
حفظ الله اليمن.
نقلاً عن «الأهرام»