Times of Egypt

حصيلة المرحلة الأولى في تشكيل شرق أوسط جديد

M.Adam

جميل مطر
مرة أخرى.. نقع في خطأ الخلط بين النتيجة والسبب. نقع واعين – غير آسفين ولا معتذرين –
حجتنا أن المرحلة محل البحث، أو الرأي.. لا تتحمل ضغطاً آخر، ولو كان عاطفياً أو إنسانياً. لم
يستشرنا أحد؛ أقصد يستشير بلدي وبني قومي.
… فجأة، وجدنا أنفسنا نتصرف.. تصرفات المجبر على المشاركة في صنع هذا المستقبل، الذي
هو من ابتكارهم؛ ابتكار أصحاب الأسطورة والخيال والقوة، أيها أقوى. هي أيضاً تصرفات
المجبر على المساهمة في خنق الحاضر، ومن شواهده بقايا من النظام الإقليمي العربي.. المزود
بقومية عربية، وتجارب عمل إقليمي.. استمر – غير ثابت الخطوات – لمدة تزيد على ثمانين
عاماً.
للمرحلة – وأقصد بها الفترات الأخيرة.. في حياة منظومة الانحدار، هذا الانحدار، الذي لم يفلت
منه – في الفترة الأخيرة – طرف أو آخر.. من أطراف الصراع الدائر في الشرق الأوسط –
للمرحلة أسبابها، وعلاماتها.. التي تميزها عن كل المراحل التي مر بها الإقليم. يميزها بشكل
خاص.. عمق ما سوف تخلفه من آثار.
أتحدث هنا عن تدهور – بمعنى تفاقم – حال الانحدار في الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة
الأمريكية. كثيرة هي المظاهر.. والآثار على امتداد نصف قرن أو ما يزيد. لن ننساق وراء
مذاهب في نظرية العلاقات الدولية، تفسر الاهتمام بانحدار الغرب؛ باعتبار أنه نقيض الصعود
الصيني. قد يكون. ولكن يجب أن نفسره، كما فسر المؤرخون انحدار إمبراطوريات في الغرب
والشرق.. باعتباره مرحلة حتمية، في دورة صعود وانحدار، وتفسخ.. لدوافع ذاتية وحقيقية.
لم أجد نفسي معترضاً بشدة، على الرأي الشائع في الإعلام الغربي.. قبل غيره؛ القائل بأن حال
الولايات المتحدة الراهنة – وأقصد معظم سلوكياتها الداخلية والخارجية – تنبئ بانحدار.. ربما
كان غير مسبوق في صورتها الدولية. لا أستطيع إلا أن أنتقد – وبشدة – الكثير من المواقف
والسياسات الخارجية الأمريكية، ولكني أختار – بوجه خاص، وعلى سبيل المثال – أسلوب صنع
القرارات.. في وجود صحفيين وإعلاميين وكاميرات التصوير. أنتقد، أيضاً – وكثيرون غيري –

الاستغراق في حب الذات، والاعتماد على سياسيين.. مخلصين للرئيس شخصياً، لإدارة دواليب
الحكم.. أكثرهم بخبرة وتجارب قليلة. ننتقد كذلك – وينتقدون – التقلب في المواقف، والكره الشديد
لزعماء دول الغرب، والنظرة الدونية.. لجميع حكام عالم الجنوب.
أعرف أن الأسلوب المسرحي.. في إدارة شؤون الدولة – وبخاصة شؤونها الخارجية – أثمر
استهانة واضحة بأداء أمريكا. أذكر مثلاً، الدعوة الرئاسية إلى شعب طهران لإخلائها، أو فرحة
الرئيس المبالغ فيها.. بالأموال التي حصل عليها من دول في الجنوب، وصمت الأجهزة
التشريعية والرقابية إزاءها.
وأذكر أيضاً سقوط هيبة المكتب البيضاوي – رمز الهيمنة الإمبراطورية – وبخاصة بعد أن صار
ساحة لمهرج، يتراقص فيها ويداعب ابنه، ويتدخل للإضرار بمصالح دولة جنوب أفريقيا.
هذا الأداء الذي أفرز – أو ساهم مع غيره من أسباب انحدار الغرب بصفة عامة وأمريكا بصفة
خاصة في إفراز – فوضى دولية، استثمره مغامرون في الشرق الأوسط وأفريقيا.
أفرز أيضاً تراخياً – وفي معظم الأحيان شللاً – في معظم مؤسسات الأمم المتحدة، ومنظمات
إقليمية مثل جامعة الدول العربية.
أعود لأوجز مجمل تصوري لحالنا وحال المنطقة في اليوم السابق على إعلان قيام شرق أوسط
جديد.
انتهت حرب الاثني عشر يوماً بين إيران وإسرائيل.. مخلفة علامات واضحة لحال الدولتين،
والنظام الإقليمي. بعض هذه العلامات كانت من صنع دولة عظمى.. تعاني من أسباب انحدار،
يرفض أن يتأنى أو يختفي. ومن صنع الفاعلين الأساسيين – وأقصد كلاً من إيران وإسرائيل –
ومن صنع صمت أو غياب أكثر أو أهم اللاعبين.. في منظومة العمل العربي.
أولاً: الأهم في صورة الحال الدولية والإقليمية.. على ضوء الحرب – وما تخللها وأعقبها – هو
تفاقم الأخطار الناتجة عن استمرار حال الانحدار في القوة الكلية لأمريكا، فضلاً عن وجود
رئيس لها.. بصفات غير عادية في إدارة الأزمات والحرب. أضرب مثلاً.. بإعلان هذا الرئيس
الطلب إلى سكان طهران إخلاء العاصمة، وفي خلفية هذا الإعلان.. خبر مسرب، يفيد بأن الهدف
من الحرب إسقاط النظام الحاكم في إيران. أضرب مثلاً آخراً.. لا يقل أهمية، وهو إصرار هذا
الرئيس.. على أن يتعامل مع رؤساء دول أخرى بسخرية، وإهانة مقززة.. أثارت التوتر في

معظم عواصم العالم؛ وبخاصة العواصم العربية. أضرب مثلاً ثالثاً، وهو اقتباس النظام الأمريكي
لنظام الجزية.. من النظام الإمبراطوري الإسلامي – لتطبيقه بشكل مختلف قليلاً.. على دول في
أوروبا والشرق الأوسط – إلى حد أن تحليلاً أو أكثر في صحافة الغرب.. وصف حال بعض
هؤلاء الحكام بـ «المثير للشفقة».
على كل حال لم تحصل أمريكا – نظير تدخلها، سواء بالتنسيق مع إسرائيل أو بالقصف الفعلي
والأعنف لمواقع التخصيب الإيرانية – على سلام من أي نوع.. بين المتحاربين الأصليين. بل –
وفي الإمكان – أن نحكم على العمل العسكري الأمريكي ضد إيران.. بالفشل؛ مثله مثل الفشل
الأمريكي المشهود.. في حربيْها ضد فيتنام وأفغانستان. الأسوأ من هذا الاحتمال، أن تكون أمريكا
سمحت لإسرائيل حليفتها.. بأن تجرها جراً نحو حرب.. لا تخصها مباشرة، وكان بين
الاحتمالات المرعبة.. أن ينتهي الأمر بحرب عالمية. لم يتحقق هذا الاحتمال، بالنظر إلى أن
الصين لم تزل غير مؤهلة – أو جاهزة داخلياً – وأن الأوضاع الدولية تراها تتطور.. لتحقيق ما
في مصلحتها.. دون اللجوء لحرب.
ثانياً: استقر – في تعليقات غربية – أن إسرائيل خرجت من هذه الحرب منهزمة. المثير في
الأمر، والمتعلق بحال دول الشرق الأوسط – في اليوم السابق على إعلان الشرق الأوسط الجديد

  • هو أن الإعلام العربي في مجمله.. لم يهتم – عن عمد – بترسيخ هذه الحقيقة في الوعي العربي.
    لذلك، لم يكن مفاجئاً لنا.. الإعلان مبكراً جداً.. عن خطة سلام شاملة تعتمد القصة الإبراهيمية؛
    تغطية وعقيدة وجوهراً لها. خطة تتجاوز التدرج في المجال العربي.. إلى الانطلاق نحو جميع
    دول الشرق الأوسط الجديد.
    أتصور أن كلتا الدولتين – الأعظم دولياً والأعظم إقليمياً – قررتا اقتحام الإقليم.. عسكرياً وسياسياً
    واقتصادياً، بذريعة حاجة دول الشرق الأوسط – كما كشفت الحرب بين إيران وإسرائيل – إلى
    «درع» يحميها.. من بعضها البعض.
    هذه الدرع – في نظر أصحاب هذا الرأي – توفرها الاتفاقات الإبراهيمية؛ بدليل المواقف
    الكاشفة.. التي مارستها – وبإصرار – بعض الدول العربية، وتركيا.. خلال الهجوم الشامل على
    إيران.. من جانب إسرائيل والولايات المتحدة.

نتوقع بالتالي.. حملات إحراج، وحملات مصالحة، وحملات مصاهرة، وحملات «دينية»..
تقارب بين بعض الممارسات والنصوص؛ كما حدث مع كنيسة روما؛ كلها وغيرها، يستفيد من
حال سلوكيات معظم دول المنطقة.. خلال حرب الأيام الاثني عشر.
حملات تنتهي بوضع إقليمي، يستطيع الرئيس الأمريكي – وحواريوه – الاستناد عليه، للضغط
على منظمي جائزة نوبل.. لتكون من نصيبه. بينما المستفيد فعلياً، ستكون دولة إسرائيل التي
ستتوج (في اليوم التالي لحرب الاثني عشر يوماً) قائداً للشرق الأوسط الجديد.. مهيمناً عليه.
يقال إن في الأمر عقدة، تحتاج أولاً إلى حل.
لن نصل إلى اليوم التالي لحرب إسرائيل ضد إيران، قبل أن تشرق شمس اليوم التالي.. لحرب
إسرائيل ضد غزة والضفة؛ بمعنى آخر هناك من ينتظر أن تتحول معظم دول الإقليم.. من موقف
القوى السلبية، إلى موقف القوى الإيجابية.
نقلاً عن «الشروق»

شارك هذه المقالة