Times of Egypt

حرية الصحافة.. أيام لها تاريخ! 

M.Adam
عبدالله السناوي 

عبد الله السناوي 

«سيري أيتها الأمة، ولا تتخلفي في الطريق، ولا تقولي أبداً قد طال الانتظار». 

بدت تلك العبارة – بحمولتها السياسية والتاريخية – تعبيراً عن روح شابة.. تسري في مصر إثر ثورة (1952). إنها كلمات ملهمة، كتبها أحمد بهاء الدين.. عندما كان صحفياً شاباً في السابعة والعشرين من عمره، في كتابه الأشهر «أيام لها تاريخ» (1954). 

تصدَّرت حرية الصحافة – رجالها ومعاركها وأيامها – اهتمامه؛ دون أن تكون بذاتها موضوع الكتاب.  

لا يمكن فصل حرية الصحافة عن التاريخ المصري الحديث.. بكل قضاياه وأزماته وثوراته وهزائمه. إنها مرآة الضمير العام.. إذا نهضت، ونبوءة الانكسار.. إذا غابت. 
لا يمكن فهم سنوات «حسني مبارك» الأخيرة، والأسباب الحقيقية لتقوُّض نظامه.. دون قراءة – موثقة وجدية – في ملف حرية الصحافة. لم يكن هناك ما ينبئ صباح الاثنين (23) فبراير (2004).. أن وعداً رئاسياً قد يعلنه نقيب الصحفيين «جلال عارف» – باسم رئيس الجمهورية – في افتتاح المؤتمر العام الرابع للصحفيين. المفاجأة دوَّت في المؤتمر الحاشد. كانت تلك محاولة لامتصاص الاحتقان وسط الصحفيين.. من تنامي معدلات الحبس في قضايا نشر. 

لم يصدر ذلك الوعد من فراغ، أو خارج كل سياق. بتوقيته وأهدافه، كان ذلك الوعد عملاً استباقياً.. قبل زيارته المرتقبة (حينئذ) للعاصمة الأمريكية واشنطن، والحملات على نظامه تتصاعد حدتها. كما كان استباقاً آخر لطرح «مشروع الشرق الأوسط الكبير».. على قمتي الدول الثماني وحلف «الناتو» في يونيو التالي، دون رجوع للأطراف المعنية، أو حتى وضعها في الاعتبار! 

لاح في الأفق أمل في توسيع الحريات الصحفية ورفع سيف الحبس عن رقاب الصحفيين، غير أنه تعرَّض لضربات متتالية، شككت في المدى الذي يمكن أن يذهب إليه.. في تحسين البيئة العامة المأزومة. 
بعد عام بالضبط على ذلك الوعد، صدرت أحكام جديدة بحبس صحفيين في قضايا نشر، كان طرفها الآخر.. وزير الإسكان الأسبق الدكتور «محمد إبراهيم سليمان». بدا ذلك إحراجاً بالغاً لهيبة الرئاسة، حيث تقوَّض وعده.. واهتزت صورته. قال «مبارك» لوزير الإعلام «أنس الفقي» واصفاً توقيت الحكم القضائي: «يعني نشن»! 
جرت دعوة عاجلة، لاجتماع خاص – في مكتب «الفقي» – حضره النقيب «جلال عارف» والسكرتير العام «يحيى قلاش» ورئيس تحرير «الفجر» «عادل حمودة» ورئيس تحرير «العربي» «عبدالله السناوي».. بحثاً عن شيء من التوافق؛ يوقف تنفيذ أحكام الحبس التي صدرت من ناحية، ويمنع أي صدام جديد محتمل بين الصحافة والدولة من ناحية أخرى. 

لم يستغرق الاجتماع وقتاً طويلاً، ضاقت مساحة الاختلاف.. بإعادة التأكيد على الوعد الرئاسي، وضرورة أن يتدخل بنفسه.. لإجبار الوزير السابق على التنازل عن الدعوى القضائية، التي كان قد رفعها ضد صحفيي «المصري اليوم»، وجميع القضايا الأخرى المماثلة أمام المحاكم، وعن البلاغات التي تقدَّم بها للنيابة العامة؛ التي بلغت (37) دعوى وبلاغاً ضد الصحفيين! 

غير أن الأزمات لم تتوقف، واضطرت الصحف الحزبية والخاصة.. إلى الاحتجاب في (9) يوليو (2006)؛ احتجاجاً على مشروع قانون استحدث نصاً.. يوجب حبس الصحفي، إذا طعن في الذمة المالية للموظفين العموميين، وأعضاء المجالس النيابية المنتخبة، والمكلفين بخدمة عامة. 
كان ذلك النص المستحدث.. انعكاساً لتوحش الفساد في البلد. جرت مواجهة كسر عظم.. باحتجاب الصحف الحزبية والخاصة.  

نجاح الاحتجاب عكس جواً عاماً جديداً يرى في الصحافة الحرة مستقبل البلد. 
وجرى احتجاب ثانٍ في (7) أكتوبر (2007).. على خلفية عودة الحبس في قضايا النشر، نالت هذه المرة من عشرة صحفيين مرة واحدة بينهم رؤساء تحرير، صادف ذلك الاحتجاب عكس ما جرى في المرة الأولى من استهتار مقاومة شرسة، جرت ضغوط على بعض رؤساء التحرير، حاول بعضهم أن يتملص من تعهداته، غير أن قوة الإرادة العامة أجبرت الأطراف جميعها.. على المشاركة في الاحتجاب. كان ذلك الاحتجاب رسالة جديدة بأن مصر تتغير. 
من الموضوعية والإنصاف، نسبة نجاح الاحتجابين إلى جيل من رؤساء تحرير الصحف الحزبية والخاصة.. عملوا – بقدر استطاعتهم – على توسيع مجال الحريات الصحفية، والتضامن فيما بينهم.. ضد أية إجراءات تنال من قدر الحريات المتاحة. 

فيما بعد نُسب لـ«مبارك» قوله لبعض معاونيه.. إنه لا يريد احتجاب صحف مرة أخرى!  

لم يكن هناك من بديل سوى إلغاء الحبس في قضايا النشر. 
عندما تلتئم الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين الجمعة (2) مايو المقبل – في انتخابات التجديد النصفي لمجلس النقابة، واختيار نقيب جديد – تحتاج أن تذكِّر نفسها أن المهنة في خطر داهم.. يهدد مستقبلها، إذا لم تنتصر لحريتها.  

حرية الصحافة لا تخص الصحفيين وحدهم، إنها مسألة مستقبل للبلد كله. 

لم تكن حرية الصحافة هي من أسقطت نظام «مبارك».  

عند عام (2005) استهلك النظام زمنه، غير أن الحريات الصحفية والإعلامية – التي اتسعت بصورة غير مسبوقة – ساعدته على البقاء لخمس سنوات أخرى. 
بانسداد القنوات السياسية والاجتماعية، واليأس من أي إصلاح في بنيته.. عقب التزوير الفاضح للانتخابات النيابية (2010)، سقط نظامه، وانطوت صفحة كاملة من التاريخ المصري. 

تحتاج مصر الآن أن تراجع تجاربها حتى لا تتخلف في الطريق، أو تقول بدواعي اليأس أنه قد طال انتظار حرية صحافة تستحقها. 

نقلاً عن «الشروق»  

شارك هذه المقالة