عبدالقادر شهيب
شكوك كثيرة داخل أمريكا.. أثيرت حول جدوى الضربة الأمريكية لثلاثة مواقع نووية إيرانية.
في الوقت الذي احتفلت فيه إيران شعبياً.. بتحقيق الانتصار في الحرب مع إسرائيل وأمريكا، وظهر فيه رئيس الحرس الإيراني.. الذي ادَّعى الإسرائيليون قتله، دعت إسرائيل إلى احتفال جماهيري بالنصر.. الذي تحقق على إيران، والتخلص من برنامجها النووي، وخطر صواريخها الباليستية.
أما أمريكا – ورغم سعي بعض النواب الديمقراطيين.. للدعوة لعزل ترامب، لضربه منشآت إيران النووية – فقد خرج الرئيس الأمريكي.. ليتباهى بدقة وروعة الضربة الأمريكية، التي نفذها الطيارون الأمريكيون في غياب القمر! وهكذا الجميع.. إسرائيل وإيران – وقبلهما أمريكا – قال إنه انتصر في تلك الحرب.. التي لم تُكمل الأسبوعين، وتوقفت بعد قبولهم وقف إطلاق النار.. الذي تم بضغوط أمريكية على نتنياهو، وبرغبة إيرانية.. تقوم على حسابات المصالح للنظام الحاكم في طهران. وكأننا كنا إزاء حرب.. كل أطرافها خرجوا منها رابحين وفائزين ومنتصرين – أي بلا خاسرين – وهذا أمر مثير، لأن الحروب ليست مثل مباريات كرة القدم، يمكن أن يخرج فيها اللاعبون متعادلين إيجاباً أو سلباً.. بأهداف أو بدونها!
والأكثر إثارة، أن ذلك حدث.. رغم الدمار الذي لحق بمنشآت إيران العسكرية والنووية، واغتيال عدد من قادتها العسكريين وعلمائها النوويين.. بعد استباحة الطائرات الحربية الإسرائيلية سماء إيران لاثني عشر يوماً، وحتى بعد بدء سريان وقف إطلاق النار – الذي كان ترامب أول من أعلن عنه – فعادت بعض هذه الطائرات دون ضرب إيران.. بأوامر صارمة من الرئيس الأمريكي.. لرئيس الحكومة الإسرائيلية.
كذلك حدث هذا، رغم الدمار الذي شهدته إسرائيل في منشآتها ومبانيها.. بكل أنحائها.. لأول مرة منذ إنشائها، مع بقاء سكانها في الملاجئ ساعات طويلة وفقدان آلاف منهم مساكنهم.. بعد تدميرها بواسطة الصواريخ الإيرانية، التي أخفقت القبة الحديدية الإسرائيلية – وبقية أنظمة الدفاع الجوي التي زودتها بها أمريكا – في التصدي لها.
كما أن ذلك حدث، وسط شكوك كثيرة داخل أمريكا.. أثيرت حول جدوى الضربة الأمريكية.. لثلاثة مواقع نووية إيرانية؛ أهمها ما يتعلق باليورانيوم الإيراني المخصب، الذي تفيد تقارير عديدة بأن إيران نقلته قبل الضربة الأمريكية، بل ونقلت معه أيضاً بعض أجهزة الطرد المركزي إلى أماكن سرية!
ولكن ربما كان لدى إيران وإسرائيل وأمريكا أيضاً.. أسبابهم للاحتفاء بالنصر الذي حققوه في تلك الحرب، التي هددت المنطقة كلها.. بأخطار جمَّة كبيرة. فإيران أنقذت ما لديها من يورانيوم مخصب، وهي التي كانت تتمسك بالاحتفاظ به.. في مفاوضاتها مع أمريكا قبل اندلاع الحرب، بل تتمسك بحقها في التخصيب، وترفض التنازل عنه لأحد.. ولو من أصدقائها؛ مثل روسيا.. التي اقترحت ذلك لإنقاذ المفاوضات من التعثر والفشل. والأهم، أن إيران أنقذت نظامها السياسي من خطر كان يتهدده، وهو السقوط.. الذي قال نتنياهو إنه أحد أهداف إسرائيل، أو – على الأقل – أنقذت حياة المرشد خامنئي، الذي ألمح ترامب – في أحد تصريحاته المتضاربة – أنها في خطر.
بينما إسرائيل أنقذت نفسها.. من حرب استنزاف، لو طالت.. لنالت منها وجودياً. وهذا ما يؤكده تزايد الهجرة من إسرائيل.. للشرائح الاجتماعية القادرة والغنية، لعدم احتمال الحياة في الملاجئ ساعات طويلة من الليل والنهار، والخوف من فقدان الحياة.. بعد أن انتشرت الصواريخ الإيرانية في كل أنحاء إسرائيل. وكذلك أنقذ نتنياهو نفسه – وحكمه – من سقوط مروع، ربما لحق به محاكمات قد تُفضي به إلى السجن؛ لأن استمرار الحرب كان يعني – في ظل امتلاك إيران ترسانة من الصواريخ الباليستية – مزيداً من الدمار داخل إسرائيل، التي شهدت ذلك للمرة الأولى منذ إنشائها!
أما أمريكا – ورغم الشكوك في ضربتها للمنشآت النووية الإيرانية – فخرجت من مُولد الحرب.. وفي يدها إشهار بأنها وجهت ضربة لإيران، أي فعلت ما لم تفعله من قبل.. أو ما يقول ترامب عجز الرؤساء الذين سبقوه أن يفعلوه. كما أنه يمكنه التباهي أيضاً، أنه أوقف حرباً.. بعد أن تعثر في وقف حرب أوكرانيا وروسيا، ووقف الحرب على أهالي قطاع غزة. وهو ما يبقى حظوظه قائمة في الحصول على جائزة نوبل للسلام، خاصة وأنه يدعي أنه سبق أن أوقف حرباً.. بين الهند وباكستان.
وهكذا.. الحقيقة أن الجميع وجد أن المصلحة تقتضي وقف القتال الآن، والاحتفال بالنصر!
نقلاً عن «أخبار اليوم»
حرب بلا خاسرين!

شارك هذه المقالة