Times of Egypt

حدود ملتهبة ونظام عالمي جديد

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال

اختار الأستاذ جمال الكشكي.. لكتابه – الصادر عن الهيئة العامة للكتاب في القاهرة 2025 – عنواناً هو «في قلب اللحظة.. حدود ملتهبة ونظام عالمي جديد».ومعلوم أن رؤية اللحظة من داخلها، بل ومن قلبها، تختلف عن رؤيتها من أعلى وعلى ارتفاع كبير، إذ يقال إن «من أعلى» أو «رؤية الطائر» تكون أكثر اتساعاً وكشفاً وهذا صحيح، غير أن الرائي في تلك الحال.. لا يكون متفاعلاً مع المشهد، ولا جزءاً من مكوناته، وفرق كبير بين المراقب عن بُعد وبين الفاعل عن قُرب!ثم إن هناك ما يعتبره البعض ميزة للمراقب عن بُعد «المحلق»، وهي أنه أقرب إلى الحياد منه إلى الانحياز، غير أن الأمر ليس كذلك لمن يبقى في القلب؛ لأنه بالضرورة منحاز، وهو أمر لا يتنصل منه مؤلف الكتاب، إذ ينضح من السطور انحيازه لوطنه مصر.. ووجودها وحدودها وأمنها، وحريتها وكرامة شعبها واستقلال قرارها ووفائها لانتمائها.. وانحيازه لحق الشعوب في حرية أوطانها ووحدة نسيجها، وترابها وفي مقاومة العدوان والظلم والتمييز والإبادة الجماعية بالدرجة نفسها، مقاومة كل ما من شأنه تقويض الدولة الوطنية وتفتيت ترابها الوطني وتفكيك تماسكها الاجتماعي.

كما تنضح سطور جمال الكشكي.. بالانحياز لحلم تغيير النظام العالمي أحادي القطب، الذي جعل من دولة عظمى واحدة، تستطيع أن «تبرطع» في أرجاء الأرض.. بلا أي وازع من قانون إنساني وقواعد عدالة، ودون احترام لشرعية دولية ممثلة في منظمات وهيئات..

كانت تلك الدولة أول من سعى لتأسيسها وتفعيلها. ثم دون احترام لإنسانية وآدمية شعوب بأسرها، والكيل بمكيالين أو بعدة مكاييل ووفق هوى ساسة الدولة العظمى المتحكمة؛ سواء كان هوى ينسب لمذهب ديني، أو هوى ينحاز لمصالح شخصية وفئوية. وهكذا هو الوجود في قلب اللحظة.. التي تتسع، رغم أنها لحظة لكل ما يجري في معظم الكرة الأرضية.. من أقصى الشرق (حيث الكتلة الآسيوية رهيبة الاتساع)، إلى آسيا الأوروبية، ثم إلى أوروبا وأفريقيا الشمالية وجنوب الصحراء، وإلى الأمريكتين، وكلها فيها نقاط ملتهبة؛ يكاد المراقب أن يذهب إلى أن أي نقطة فيها.. ستكون مصدر شرارة حرب كونية مخيفة، بقدر قوة وقدرة الدمار الذي تحمله الأسلحة التي يمكن أن تُستخدم فيها.ثم إن الجدير بالملاحظة هو أن جمال الكشكي أدرك – بفطرة الصحفي المتمرس – أن الكتابة عن اللحظة، وفي اللحظة.. يمكن للزمن أن يعفي عليها، لتصير وجبة أو «طبيخ بايت».. لا يصلح للزاد. ولكي لا تكون الكتابة كذلك، فإن المؤلف ملأ فقرات فصول كتابه.. بما يمكن أن نسميه ثوابت وطنية وإنسانية، ومقومات للوجود الوطني المصري، ومحددات أمنه الاستراتيجي؛ تلك الثوابت والمقومات التي لا يمكن أن تندثر أو تتلف.. مهما كان مرور الزمن، لأنها تركيبة جغرافية وجيولوجية وتاريخية وعقدية وحضارية وثقافية، تزداد رسوخاً وتتأكد قيمتها.. كلما مر عليها الزمن.ولو نحينا جانباً الفصول من الأول حتى الرابع، وركزنا على الفصول من الخامس إلى الثامن، لوجدنا تجليات تلك الثوابت والمقدمات.. ليس لأن الأول إلى الرابع أقل أهمية مما بعدها، بل لأن بقية الفصول تتصل مباشرة بمصر ومحيطها العربي فلسطين والسودان وليبيا، وليست صدفة أن تحمل الصفحة التي بها عنوان الفصل الخامس.. بيتاً من شعر شاعر النيل حافظ إبراهيم: «أنا إن قدّر الإله مماتي.. لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي».

ولذلك جاء العنوان «مصر النواة الصلبة والخط الأحمر».. وكلاهما – أي المعنى الذي يحمله بيت حافظ وعنوان الكشكي – يعبر عن ثوابت ومقومات.. لا يمكن للزمان أن يعفي عليها، لأنها متصلة مباشرة بالأمن القومي المصري، الذي من بديهياته امتداده عبر فلسطين إلى سوريا الجغرافية، وما وراءها عند منابع دجلة والفرات، أو عند جبال طوروس.

وفي هذا كتب المؤلف: «أوراق المسألة الفلسطينية ممهورة بدماء الشهداء المصريين».. «ولأن مصر هي نواة الإقليم العربي الصلبة.. والإقليم مجالها الحيوي الاستراتيجي، فهذا هو دورها القومي الذي لا تتخلى عنه في أصعب الأوقات». وعن مصر والسودان يكتب المؤلف فصلاً بعنوان «مصر والسودان.. نهر الأمن القومي»، ويستدعي الشاعر على الجارم.. ليذكر من شعره بيتاً هو: «وقد بدت صفحة الخرطوم مشرقة. كما تجلى جلال النور في سيناء»!..

ويستطرد بتثبيت الثابت الأزلي الأبدي: «مصر والسودان شعب واحد في دولتين.. وجدان صاغته روابط وجذور عبر أزمنة طويلة.. علاقات نسب ومصاهرة وعلاقات ثقافية واقتصادية وسياسية، قادت إلى تأسيس روابط يصعب فك تماسكها.. علاقات انطلقت من وحدة المصير وصلابة مؤسسات الدولتين».ويصل إلى أقصى غرب مصر.. ليبيا، ويعنون فصلها بأنها «خط مصر الأحمر في التاريخ والجغرافيا»، ويبرهن على المعنى نفسه.. بالنسبة إلى نظرة ليبيا لمصر، فيقتبس من شعر محمد الفيتوري ما نصه: «لا ترتجف.. إنك لم تذهب ولم تأت.. غفوت أعواماً وهذا أنت صاح حالم بين يديها.. إنها مصر.. إنها مصر»! ولن تكفي المساحة لرصد ما بثه جمال الكشكي.. من ثوابت مصرية ليبية في متن رصده للحظة.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة