Times of Egypt

حدود الردع النووي الفرنسي-البريطاني المشترك 

M.Adam

سفير حسين هريدي

خلال زيارة الدولة.. التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبريطانيا في الفترة من 8-10 يوليو 2025، توصلت فرنسا وبريطانيا في 10 يوليو إلى اتفاق غير مسبوق.. في إطار العلاقات الثنائية بينهما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ حيث اتفقتا على تنسيق استخدام ترسانتهما النووية.. في سياق استراتيجية ردع نووي مشترك، لمواجهة حالة تهديد قصوى للأمن الأوروبي.

جاء هذا الاتفاق – بعد جلسة مباحثات جمعت الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر – صدر على إثرها ما يسمى Northwood Statement، الذي نص على إنشاء جهاز تنسيق يعرف باسم Nuclear Supervision Group برئاسة الرئاسة الفرنسية (قصر الإليزيه) ورئيس الوزراء البريطاني، يختص بتنسيق التعاون بين الدولتين على صعيد الردع النووي المشترك.. في مجال السياسات والقدرات والعمليات.

ليس التعاون الفرنسي البريطاني في مجالي الأمن والدفاع بجديد، وإنما التعاون في مجال الأسلحة النووية يعد سابقة، ليس فقط في سياق العلاقات الفرنسية-البريطانية، وإنما أيضاً في إطار حلف شمال الأطلنطي، وكذلك في استراتيجيات الأمن والدفاع الأوروبية.

ويرجع التعاون في مجالي الأمن والدفاع بين فرنسا وبريطانيا إلى عام 1995، وصدور ما عرف باسم Chequers Declaration، وقع عليه آنذاك كل من الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك ورئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت جون ميجور، الذي أرسى مفهوم الشراكة الكونية بين الجانبين، وهدفها تحقيق الردع.. لكن مع الالتزام باستقلالية القرار الوطني للطرفين بشأن استخدام الأسلحة النووية.

وأعقب ذلك بسنوات، التوقيع على معاهدة التعاون في مجالي الأمن والدفاع.. بمعرفة الرئيس الفرنسي في حينه نيكولا ساركوزي، وديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني وقت التوقيع عليها.. في عام 2011، وتعرف باسم Lancaster-2، ونصت على ان هذا التعاون يدعم الحلف الإطلنطي، الذي يظل – كما ورد بها – ركيزة الأمن الجماعي للدول الأعضاء بالحلف، وتضمن النص.. ان استخدام قواتهم المسلحة سيظل خاضعاُ لاعتبارات السيادة الوطنية.

وعلى مدى الثلاثة عقود الماضية، استندت فلسفة التعاون الفرنسي-البريطاني إلى مبدأ مستقر.. بأن أي تهديد للمصالح الحيوية لأي من الطرفين، سيمثل بالتبعية خطراً على المصالح الحيوية للطرف الآخر. لكن لا يوجد تعريف متفق عليه لتلك المصالح الحيوية، ولا اتفاق على ما سيمثل تهديداً لتلك المصالح، وإن كان مفهوم ضمناً.. أنه – في إطار الحرب الأوكرانية الراهنة – تتفق الرؤى الفرنسية والبريطانية.. على ان روسيا أصبحت تمثل تهديداً للأمن الأوروبي. وسبق للرئيس الفرنسي ان صرح بأنه إذا انتصرت روسيا في الحرب الأوكرانية، فإنها ستتجه لغزو دول أوروبية أخرى.

قد يساعد ويسهم اتفاق Northwood Statement مستقبلاً.. في إيجاد تكامل بين الترسانة النووية الفرنسية ومثيلتها البريطانية على المستوى العملياتي؛ فالترسانة النووية الفرنسية تعتمد على الغواصات النووية، والقاذفات القادرة على حمل قنابل نووية. بينما تعتمد بريطانيا على سلاح الغواصات النووية.. المزودة بصواريخ بالسيتية حاملة لرؤوس نووية. ومن المقرر ان تتزود بريطانيا في المستقبل المنظور بمقاتلات أمريكية الصنع من طراز -35F، القادرة على حمل قنابل نووية.

وتظل هناك إشكالية كبيرة في بلورة استراتيجية ردع نووي مشترك لفرنسا وبريطانيا، ألا وهي ان العقيدة الاستراتيجية الفرنسية – منذ عهد الجنرال شارل ديجول – تتمسك وتلتزم باستقلالية السلاح النووي الفرنسي عن الحلف الأطلنطي، بينما تلتزم بريطانيا في رسم سياستها في هذا الصدد.. بالتنسيق في إطار حلف الأطلنطي – وتحديداً بالولايات المتحدة – بالإضافة إلى عضويتها في مجموعة التخطيط النووي Nuclear planning group التابعة للحلف، بينما فرنسا ليست عضواً بها.

في المرحلة الراهنة، يعتبر اتفاق التعاون في مجال الردع النووي بين فرنسا وبريطانيا.. رسالة رمزية، ويظل هذا التعاون في المجال النظري، حتى الوقت الذي يبرهن فيه الطرفان على وجود إرادة سياسية قوية.. لترجمة هذا التعاون إلى واقع ملموس؛ يمثل ردعا له مصداقية حقيقية.. في مواجهة أي طرف قد يهدد الأمن الأوروبي مستقبلاً، كما أنه قد يكون رسالة طمأنة للدول الأوروبية.. ان لديها القدرة على الدفاع عن مصالحها الأمنية بمفردها، في حالة حدوث تفاهمات واتفاقات بين روسيا والولايات المتحدة.. على حساب المصالح الأمنية للقارة الأوروبية؛ وهو ما تتخوف منه الدول الأوروبية.. في ظل سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه أوروبا وروسيا.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة