أحمد الجمال
إذا كنت – البعيد – كذوباً فكن ذَكوراً.. هكذا خاطبت الحكمة القديمة من تعوَّدوا الكذب فأصابه الملل منهم، ومن كثرة ملله، ولأجل أن يخذلهم.. فإنه يطاوعهم ولا يُبدي أية إشارة للحذر من تكراره!
وثبت أنه ما زال المرء يكذب ويكذب، فيُكتب عند الله كذاباً. وقد رُوي في الأثر أن المؤمن قد يسرق، وقد يزني، ولكنه لا يكذب. ورغم ذلك كله.. في ذم الكذب، والتحذير منه، دأب بعض من يطلقون لحاهم.. للبرهنة على تقواهم، ويعلقون لافتات إخوانجية.. للبرهنة على أنهم مناضلون معارضون أشاوس، على الكذب بأنواعه ودرجاته، حتى أصابه الملل منهم كما أسلفت، وهم مستمرون ومكملون طيلة أكثر من عقد من الزمن.
ورغم أنني نادراً ما أتابع فضائياتهم، لا لشيء إلا لأن الصدفة جعلتني أعرف بعضهم – في مجال العمل الصحفي – إذ كنت أكلفهم وأراجع ما يقدمون، والصدفة أيضاً جادت على العبدلله.. بجهاز استقبال ذهني ونفسي ومعرفي، يستطيع فرز وغربلة ما يرسل إليه، فيصنفه على الفور.. بين زائف ومفبرك، وخليط فيه رائحة حقيقة، والباقي لا مؤاخذة. وبالتالي، فلا حاجة لمتابعة دائمة أو دورية.. لما يبثون من أكاذيب. وإذا تصادف وتسربت قطعة «يوتيوب»، فإنها تصلح عينة ممثلة، أو حالة دراسة للظاهرة الإعلامية الإخوانجية. غير أن هذا كله كوم، وما يصدر من بعض من يُفترض فيهم العلم والثقافة والوعي.. يرددون فيه تلك الأكاذيب أحياناً، ويتساءلون عن حقيقتها أحياناً أخرى، ويصمتون تجاهها ثالثة.. كوم ثانٍ، يستحق التوقف عنده والبحث في أصله واستمراره، وكيفية الخلاص منه.
إنهم – وطيلة أكثر من عشر سنوات – يروجون لنهاية نظام ثورة يونيو في مصر، وظلوا يروجون بأن النهاية تجاوزت الاقتراب، وصارت وشيكة في أي لحظة.. على يد الجماهير. ثم كفوا عن ذلك لأن الجماهير هي من تصدت وتتصدى لإفكهم، فانتقلوا إلى الاقتراب الوشيك على يد قوى دولية وإقليمية، ويفبركون أخباراً وقصصاً إخبارية وتقارير.. ليوحوا لمن يشاهد ويسمع بأنهم مهنيون محترفون، يأتون بالخبر من «ثدي أمه». وتصل بهم المبالغة في الوهم والإيهام.. لدرجة تذكر المرء بصحيفة كانت تنشر عنواناً رئيسياً – بأكبر أبناط الخط.. على الصفحة الأولى لها – أنها كانت داخل غرفة عمليات الموساد، أو غرفة عمليات البنتاجون، وأن حواراً ساخناً دار بين رؤوس الوزارة الصهيونية والموساد والشاباك والدفاع، وهذا نصه. أو مناقشة ملتهبة بين رؤوس السي آي إيه والبيت الأبيض والأمن القومي والدفاع وهذا نصها!
وبالطبع فإن هذا اللون من الصحافة والإعلام.. الديماجوجي الإثاري الكذوب، معروف ومدروس أكاديمياً، وله نماذج متنوعة بعضها كالإخوانجية متخصص في التزييف والفبركة السياسية، وبعضها متخصص في الإثارة الفضائحية، وآخر متخصص في الإثارة الجنسية المنحرفة، وغيره متخصص في النصب على الطماعين والسذج! والملاحظ – عند من بشّرتهم الحكمة بأنهم يُكتبون عند الله كذابين – أنهم لا يملكون أي قدر من الغيرة الوطنية، ولا من الرجولة، التي هي غير الذكورة، ولا من الحياء.. الذي هو شعبة من شعب الإيمان؛ لأنهم – وبمنتهى الخسة – يدعون ويحرضون جهات أجنبية إقليمية ودولية.. على التدخل في الشأن المصري.. وعلى توجيه ضربات اقتصادية وسياسية، بل وعسكرية، للدولة المصرية.
ومعلوم أن الدولة غير النظام؛ فهي الأرض أي الإقليم والشعب والسلطة – أي مؤسسات الحكم – ولماذا لا، وقد سبق وقال مرشدهم الأسبق إن الوطن حفنة تراب عفنة، والعلم الوطني خرقة قماش بالية، و«طظ في مصر واللي في مصر»، وعندما بدا على المذيع – الذي كان يحاوره الاستغراب – بادره: و«طظ فيك أنت كمان». وهذا ما زال موجوداً على اليوتيوب.. بصورة وصوت مهدي عاكف.
وقد أثبتت الجماهير أن الوطن ودولته.. خط أحمر – مهما كانت الظروف – وأن أوهام الإخوانجية بموجات من الفوضى والشروخ ستعم؛ أوهام لن تصبح واقعاً، ولن يقبل الوجدان الوطني المصري.. الراسخ منذ توحيد الملك مينا للشمال والجنوب، ومنذ حدد القادة الذين جاءوا بعده مفهوم ومدى الأمن القومي لمصر، أن ينسب لشعب المحروسة تقويض وطنه. وأثبتت الأحداث أن الإرادة المصرية مستعصية.. على أن تخضع لأي مضغوط تمس ما حددته كخطوط حمراء، يستحيل السماح بتجاوزها؛ سواء من أطراف إقليمية أو أطراف دولية.
أما السؤال الخاص.. بكيفية التعامل مع متعلمين أو مثقفين، يفترض فيهم الوعي الذي يميز الزائف والمفبرك والوهمي، من الصادق والحقيقي والواقعي، فهي تبدأ وتنتهي.. بحرية معلوماتية، يتدفق فيها ما هو صحيح ليفند تلك الأكاذيب.. ومع الحرية المعلوماتية مجال عام مفتوح وآمن.. طالما هو تحت سقف المصلحة الوطنية العليا.
نقلاً عن «الأهرام»