Times of Egypt

حتى لا نترك سوريا وحيدة!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

البراجماتية تحكم الغرب. المصالح تقود سياسات الدول الخارجية. المتحدث باسم الخارجية الأمريكية.. قال إن بلاده قد تغير تصنيف هيئة تحرير الشام، (التي تحكم سوريا الآن)، كمنظمة إرهابية. وأضاف: «سمعناهم يقولون أشياء صحيحة حول الإدماج ودفع العملية السياسية للأمام. نريد إجراء محادثات مع المجموعات الرئيسية داخل سوريا». هناك تقارير عن تفكير أمريكي في رفع اسم زعيم الهيئة، أحمد الشرع – المعروف باسم «الجولاني» – من قائمة المطلوبين الإرهابيين. بريطانيا سمحت برفع علم المعارضة على السفارة السورية في لندن. مسؤول بريطاني قال: «يجب عدم التخلي عن سوريا.. حتى لا تعود إلى الحرب الأهلية».
فرنسا وألمانيا أوضحتا أن موقفهما من هيئة تحرير الشام، يعتمد على تعاملها مع الأقليات. لم ترفض الدولتان من البداية التعامل مع الهيئة. السياسة فن الممكن والواقع، وليس ما ينبغي أن يكون. لو رفضت حكومة ما الاعتراف أو التعامل مع الحكام الجدد في سوريا، فهي تُبعد نفسها عن التأثير في المشهد السوري، الذي يتكالب عليه كثيرون ويريدون فيه موطئ قدم.
ترك سوريا دون ظهير عربي.. من شأنه ارتماؤها أكثر في الحضن التركي، كما كانت قبل ذلك في الحضن الإيراني. أردوغان لديه خطط كثيرة لا يخفيها.. بشأن العلاقة مع سوريا، وهو يريد أن تكون له اليد العليا، لأنه دعم الفصائل المسلحة الرئيسية.. التي أسقطت نظام البعث الزائل بقيادة بشار الأسد. في ظل الغياب العربي الفاعل، فإن إسرائيل ستجعل سوريا ساحة مستباحة، وهي بالفعل تقوم حاليّاً بتغيير الوقائع على الأرض.
سوريا أمامها الكثير من الوقت حتى تستقر. الفراغ السياسي والعسكري الراهن بعد تفكك الجيش السوري – كما يقول الكاتب البريطاني سايمون تسيدال – ستحاول أن تشغله ميليشيات مسلحة، تسعى لتحقيق مصلحتها.. على حساب مبادئ العدالة والمصالحة وحرية الناس. الأخطر، أن روح الانتقام لدى أفراد هذه الجماعات – نتيجة سنوات القمع والفتك، التي مارسها النظام السوري السابق – لا يمكن أن تنتهي بين يوم وليلة.
للأسف، فإن الهدف الذي وحَّد الحكام الجدد في سوريا.. كان التخلص من النظام. الخلافات العقائدية والسياسية والولاءات للقوى الأجنبية.. شديدة وعنيفة. كما أن الفسيفساء السوري – متعدد الأعراق والأديان والأيديولوجيات – لن يجعل الوصول إلى سوريا الجديدة، التي تأملها النخبة الفكرية والثقافية، سهلاً. على سبيل المثال، ما نظرة الحكم الجديد إلى الطائفة العلوية التي تمثل 15٪ من السكان؟ وكيف سيتم التعامل معها؟، وما تصور قيادات تلك الطائفة، التي حكمت البلاد منذ 1970.. حتى أيام قليلة خلت، لدورها المستقبلى؟. أيضاً، هل يعود الأكراد إلى حديث الانفصال، أم يصبحون جزءاً من تركيبة الحكم؟
هذه ليست نظرة تشاؤمية، أو إفساداً للفرحة الصادقة.. التي يستحقها الشعب السوري، لكنها حرص على نجاح الثورة، ودعوة إلى العرب ألا يتركوا سوريا وحيدة في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها. ولابد من أن ندرك كعرب.. أنه ليس هناك خيار جيد – على طول الخط – للمستقبل السوري، لكن أفضل السيناريوهات – كما يقول ريتشارد لوبارون، السفير والدبلوماسي الأمريكي السابق بالمنطقة – هو أن تسير الأمور بشكل هادئ.. دون أن يمنع ذلك الفصائل من القتال فيما بينها، في مناطق محددة للإبقاء على مصالحها. أما أسوأ السيناريوهات، فهو دخول الفصائل في معارك شاملة، مما يؤدي إلى انهيار الدولة، وعودة الحرب الأهلية.
ليس غريباً أن صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، نشرت تقريراً.. ادّعَت فيه أن عصر السلطة الواحدة – التي تسيطر على كامل التراب السوري – انتهى. السنوات الماضية.. منذ دخول البلاد في أتون حرب أهلية، عقب قمع الثورة السورية 2011، كان التواجد العربي هامشيّاً.. بالقياس إلى الأدوار الإيرانية والتركية والأمريكية والروسية. وللأمانة، فإن النظام السابق لعب دوراً مهمّاً في هذا الغياب العربي، بل أمعن في رفض المبادرات العربية.. لإعادة دمشق إلى الصف العربي؛ لأنه حسم خياراته، واعتمد تماماً على إيران وروسيا. وبدَت له العروبة – التي طالما تشدق بها – مجرد كلمات ينطق بها، دون أن يكون لها تأثير على الواقع.
لا ينبغى أن تشهد الفترة المقبلة.. ابتعاداً عربيّاً عن سوريا، لأن العرب جميعاً خاسرون من هذا الابتعاد.
أُدرك أن دولاً عربية عديدة، ليست مرتاحة للحكام الجدد، الذين عليهم أن يبرهنوا أنهم تغيروا.. عما كانوا في المعارضة. لكن سوريا الدولة والشعب.. في أشد الحاجة إلى الدعم العربي. لماذا لا تدعو الجامعة العربية – أو مصر – إلى مؤتمر جامع للمصالحة الشاملة بين الفرقاء السوريين؟ يقول محمود درويش.. في قصيدة لماذا تركت الحصان وحيداً؟: «البيوت تموت إذا غاب سكانها». وسوريا لن تكون بخير إذا غاب العرب عنها.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة