Times of Egypt

ثورة يوليو.. في عيون الأربعة الكبار!

M.Adam
مصطفى حجازي 

مصطفى حجازي

تبقى حركة الضباط في عام 1952 – وما أفضت إليه من ثورة اجتماعية واقتصادية وسياسية – ليست بالحدث العابر.. في التاريخ المعاصر لمصر والإقليم والعالم.

أحبها من أحبها.. وكرهها من كرهها.. قُدِّست أو لُعنت.. تبقى حدثاً أقرب إلى حتمية تاريخية، أملاها نضج المجتمع المصري حينها.. وانفتاحه على السياسة، وطبيعة النسق المعرفي الإنساني الحاكم للدنيا.. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

حركة ضباط يوليو.. وما تلاها، لن تبقى حكراً على أجيال مضت – كانت وما زالت – تستقي جُلَّ وعيها.. من مسارات موجهة أو مسيسة أو مقموعة، ولكنها أضحت في معترك وعي إنساني جديد، لأجيال – حالية وتالية – في مرمى فيض معلوماتي، لا ينقطع سريانه.. لا تستقي المعرفة من نشرات التلقين، ومونولوجات احتكار الحقيقة.. تعيد تقييم ونقد ونقض كل السرديات التاريخية والثقافية والوطنية والدينية، مهما تُوهِّمَ استقرارها في الوجدان العام.. ومهما ظُنَّ فيها كونها قواعد بناء وطني راسخ ومستدام.

ولذا توجَّب علينا أن نتواضع للعلم قليلاً.. ولحقائق تتغير حولنا لتغير علينا إنسانيتنا.. علَّنا نعرف مآل السردية التقليدية لثورة يوليو 1952، وانقلاب الضباط الذي افتتحها، مهما ظننا فيها الرسوخ.

الحقائق تقول إن السردية تتآكل، ولم يبق منها ما يصمد لدعم تصورات دولة يوليو، الممتدة لثمانية عقود.. سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً.

ولم يبقَ منها ما يفي ويكفي.. أن يقنع أجيالنا الواعدة، بدوام صلاحيتها كقاعدة مشروعية مستقبلية.. يُحتكم إليها، أو كونها مؤهلاً للولاية، أو محلاً للتسليم.. ناهينا عن القداسة.. بعدما تزول أوهام القداسة بميزان العقل والنقد والنقض، بما لا يستطيع خوف ولا تدليس ولا سلاح.. أن يُلَقِّنَ أو يُلجم.

حديثي هنا، عن المواطن والمواطنة المصريين في 2025.. وهم بالضرورة من يغمرهم الفيض المعرفي والمعلوماتي من كافة مشاربه، وآخرها محركات الذكاء الاصطناعي، التي تنمو وتتشظى.. بشكل يتجاوز كل القدرات على التنبؤ بسطوتها، أو مدى نفاذها إلى عمق المجتمعات؛ جاهلها ومتعلمها.. ريفها وحضرها.. شبابها وشيوخها.

ذاك المواطن، لن يتوقف تقييمه لثورة يوليو على مواد البروباجندا السينمائية، وسلسلة الأفلام الشهيرة، ولا على التراشقات التحليلية؛ المُضمنة في مذكرات وسِيَرٍ ذاتية.. ما بين التمجيد والشيطنة. ولن تجدي معه محاولات إضفاء القداسة على الحدث، وتأثيم منتقديه.. بحجة أن نقد الحدث هو من باب القدح في المؤسسات والرموز الوطنية. فما أفلح مع أجيال خلت.. بات لا مستقبل له، وليس لعاقل أن يُعَّولَ عليه.

ما يجري الآن – وما سيكون عليه شكل القادم – في مقاربة ما نحسبه من ثوابت التاريخ.. يجعل من تلك الثوابت مادة بحث ونظر متعمقة، تحت مجهر عقول جديدة.. عقول لا تغشاها عاطفة، ولا يغلب عليها وجدان.

ولهذا أردنا أن نلمح لمحة من ذاك المستقبل.. بأن سألنا العقول الأربعة الكبار – أو المحركات الأربع الكبار في عالم الذكاء الاصطناعي – وهم: «تشات جي بي تي».. «جروك».. «جيميناي».. «ديب سيك» – سؤالاً واحداً، بغية تقييم الحدث.. وهو «ماذا لو لم تقم حركة الضباط في 23 يوليو 1952.. علام كان لحال مصر أن يكون في 2025»؟

وفيما يلي نسوق ما خلصوا إليه دونما تصرف..

أول المتحدثين كان «ديب سيك» – محرك الذكاء الصيني المنشأ – الذي رجَّح أن مصر كانت لتسير نحو إصلاح تدريجي.. مع تحوُّل ديمقراطي بطيء، واقتصاد رأسمالي أكثر انفتاحاً، وإن استمرت التحديات الاجتماعية.

وإن لم يستثنِ إمكانية طرقها لمسار ثوري متأخر، مُرجِّحاً اندلاع انتفاضات شعبية.. بسبب استمرار الفساد والتبعية للخارج!

ثاني المتحدثين كان «جيميناي»، وليد شركة «جوجل»، الذي أشار إلى ربما كانت مصر ستشهد مساراً أكثر تدريجية.. في التطور السياسي والاقتصادي، وأكثر انفتاحاً على التنوع الفكري والثقافي. ومع ذلك، لم يستبعد أن تستمر التحديات الكبرى؛ مثل التفاوت الاجتماعي، والفساد، والنفوذ الأجنبي في التأثير على مستقبل البلاد. ولكنه عوَّل على قدرة مصر على احتواء تلك التحديات.. من خلال القوى السياسية والاجتماعية الواعية، وفي غياب تدخل عسكري.

ثالثهم كان «جروك»، وليد شركة «إكس إيه آي» – المملوكة للعبقري «إيلون ماسك» – الذي خلص إلى – أي «جروك» وليس صاحبه «ماسك» – أنه لو لم تكن ثورة 1952 قد أتت على نحوها، قد تكون مصر في 2025.. دولة أكثر تنوعاً اقتصادياً وفكرياً، مع نظام سياسي ديمقراطي، وتقدم علمي ملحوظ. ومرة أخرى، نعى محدودية فرص التقدم الشامل.. على استمرار النفوذ الأجنبي والفساد الداخلي.

وأخيراً وليس آخراً.. جاء قول فصل من «تشات جي بي تي»، وليد شركة «أوبن إيه آي» -صاحبة السبق في المجال – قائلاً.. ربما لم تكن مصر لتصبح «دولة عظمى» في 2025، لكن من المرجَّح.. أنها كانت ستصبح دولة مؤسسات مستقرة، وديمقراطية ذات بال؛ باقتصاد أكثر اندماجاً عالمياً، وبنظام تعليمي أكثر تطوراً، وبنخبة فكرية وثقافية ذات ثقل.

أجمعت العقول الأربعة.. على أن ما حدث في 1952، وما تلاها.. حال دون مصر وتنامي التنوع.. سياسة واقتصاداً ومجتمعاً. وحال دونها وتراكم ثقافي ونهضة تعليمية. وتوقعت ذات العقول.. أن التفاوت الاجتماعي وسطوة النفوذ الأجنبي، كان من شأنهما أن يبقيا.. ليحدا من السيادة الاقتصادية والدولية. كما خلصوا إلى أن مصر دفعت ثمناً غالياً.. نتيجة «القطع القسري» لمسارها الطبيعي، الذي نضج قبيل 1952.

تلك الخلاصة هي ما سيقرأه مواطن أو مواطنة مصرية، يحيا على أرض مصر – أو خارجها – في عام 2025.. عن 23 يوليو «انقلاباً وثورة». ولن يستطيع أحد أن يحجب تلك القراءة المعمقة عنهم.

كما لن يفلح شيء – أو أحد – في التعمية على ذاك المواطن.. في حقائق يحياها على الأرض؛ بين ما «فقده»، وما «لم ينله«.

… بين حال تعليمه، واقتصاده المنهك؛ حيث «فقد جودة حياة، وأمل في مستقبل». وبين تفاوت اجتماعي، وإصرار نفوذ أجنبي بغيض.. على أن ينافح على السيادة، ويحاصر القرار؛ حيث «لم ينل.. لا الكفاية، ولا الاستقلال القاطع«.

لن يفلح مع هكذا مواطن – يتحاور مع المستقبل – ترسانة أفلام «رد قلبي» و«غروب وشروق»، ولا نشرات التلقين.. باسم التربية الوطنية؛ مكتوبة كانت أو مذاعة أو متلفزة.

وكل عام وأنتم بخير..

فكروا تصحوا..

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة