عبدالله عبدالسلام
ربما يكون توني بلير – رئيس وزراء بريطانيا الأسبق – ثالث أهم زعيم سياسي في التاريخ البريطاني الحديث.. بعد تشرشل وتاتشر. فاز ثلاث مرات متتالية.. بالانتخابات البرلمانية، وحكم لمدة عشر سنوات. لكن إحدى صفاته الأساسية، أنه لا يتصور نفسه خارج السلطة والنفوذ والشهرة، وعالم الأثرياء. أراد دوراً دولياً.. بعد أن أيقن أنه خارج الحلبة السياسية البريطانية؛ نتيجة توريط بلاده في غزو العراق. أدرك أن واشنطن هي المفتاح. وضع نفسه في خدمة الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ديمقراطية كانت أم جمهورية.
رَضِيَ أن يكون مبعوث الرباعية الدولية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين من عام 2007 وحتى 2015 – وهو منصب كان يمكن أن يتولاه سفير أو وزير خارجية، وليس رئيس وزراء بريطانيا العظمى – ولم يحقق شيئاً.
فقد انحاز لإسرائيل، مما جعل السلطة الفلسطينية تمنع دخوله رام الله. لم ييأس، ولم يتوقف عن محاولاته للاستمرار في دائرة النفوذ الدولي. وفَوْر اندلاع العدوان الوحشي الإسرائيلي على غزة.. تسابقت دول ومؤسسات عالمية عديدة.. لوضع خطط وتصورات لليوم التالي بعد توقف العدوان الصهيوني. فعمل بلير من خلال مؤسسته.. «معهد بلير للتغيير العالمي» بهدوء للفوز بالغنيمة؛ أعد مشروعاً، وطاف به دول العالم، خاصة أمريكا ودول الخليج، للحصول على الموافقة والتمويل.
خلال الأيام الماضية، أتت الثمار أُكلها. جرت الموافقة المبدئية على خطة بلير، الذي سيكون المندوب السامي الدولي في غزة.. لمدة 5 سنوات.
عام 1922، جرى إعلان الانتداب البريطاني على فلسطين.. لتنفيذ وعد بلفور؛ بإقامة وطن قومي لليهود، وأصبح هربرت صموئيل أول مندوب سامٍ هناك.
هل التاريخ يعيد نفسه، وماذا سيفعل المندوب الجديد؟
الخطة «البليرية» – التي باركها ترامب، وحصلت على موافقة مبدئية في اجتماع الأسبوع الماضي مع قيادات دول عربية وإسلامية – جرى إعدادها.. بالتنسيق مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر. أهم بنودها، تشكيل سلطة غزة الانتقالية الدولية (الاختصار الإنجليزي لها «جيتا»)، لتكون على غرار ما حدث في تيمور الشرقية.. التي انفصلت عن إندونيسيا، وكوسوفو التي استقلت عن صربيا.
لا ذكر في الخطة للتهجير. الهدف إدارة غزة، وإعادة إعمارها.. تمهيداً لإعادتها للسلطة الفلسطينية، بعد أن تُصلح نفسها. لن يكون للسلطة الفلسطينية أي علاقة بغزة.. سوى التنسيق مع «جيتا»؛ التي ستتولى السلطة السياسية والقانونية العليا. بالطبع ستكون لها ذراع عسكرية.. للإشراف على الأمن، ومالية للإعمار.
للوهلة الأولى، لا تبدو الخطة جائرة كثيراً بحق الفلسطينيين. لكن «شيطان» بلير.. يكمن في التفاصيل. تقول الخطة إن أي مغادرة طوعية للغزاويين، لن تؤثر على حقهم في العودة، أو الاحتفاظ بملكياتهم؛ مما يعني أن هناك تشجيعاً ضمنياً على المغادرة.
وهذا ما لم يحدث في كوسوفو ولا تيمور الشرقية.
كما أنه لا ذكر للدولة الفلسطينية، ولا لمستقبل السلطة الفلسطينية.
الخشية، هي أن تكون الخطة «شراء وقت» بالنسبة لإسرائيل.. التي لم توافق بعد عليها، كي تخلق حقائق جديدة على الأرض، بحيث لا يبقى شيء لا تسيطر عليه.. بعد 5 سنوات.
تجارب العرب مع بلير – سواء في حرب العراق، أو كمبعوث للسلام – تقول إنه ليس الأصلح، لكي يكون قائد عملية «اليوم التالي» لغزة.
نقلاً عن «المصري اليوم»