أحمد الجمال
جمعت مادة علمية متنوعة، وشبه وافية.. عن ظاهرة الأشخاص الذين يشدون المجتمع لمعارك ماضوية، ولا يقدمون أي جديد، بل إنهم يعيدون إنتاج أسلافهم ممن نهجوا النهج نفسه.. إعادة رديئة، فيبدون – مع الأسف – كمن يتقيأ ويلتهم قيأه، وقيء مماثليه.. مرة تلو مرة.
وقد رجعت للموسوعة البريطانية، ولموسوعة قصة الحضارة، ولموسوعة علم النفس والتحليل النفسي، ولكتاب أعتبره عمدة في الموضوع، هو كتاب «النظام السياسي في مجتمعات متغيرة» – الذي ألفه صمويل هنتنجتون، وكتب تصديراً له فرانسيس فوكوياما، وترجمه القدير الدكتور حسام نايل – والنموذج الذي يصادفنا دورياً، هو من لا يقدمون جديداً.. في تهجمهم على ثورة يوليو وجمال عبد الناصر؛ ويبرز منهم من وصف كل نظم الحكم بعد 1952 بأنها غير رشيدة، وقدمت أطباقاً مسمومة للشعب المصري، ولا يستثني منها نظاماً واحداً، حسبما سمعته وناقشته فيه خلال ندوة في أحد النوادي الاجتماعية، ودفعني لأن أتساءل مع من حولي – وهم من النخبة الفكرية والاجتماعية – كيف.. وهو قد تولى منصباً سياسياً تنفيذياً مرموقاً – لعقد كامل أعقبه عقد ثانٍ – على رأس مؤسسة إقليمية رئيسة. وطالما الأمر أمر أطباق مسمومة، وهو قد كان في المطبخ السياسي شريكا – كما زعم – للرئيس، فلا بد أنه كان طباخاً، أو مقدماً لتلك الأطباق!.
ومع ذلك المسؤول السابق، تظهر مقالات لأسماء قليلة.. يبدو أنها تبحث عن ضوء أو دور أو مكافأة، باعتبار أن أطرافاً إقليمية – عربية وغير عربية – ومعها أطراف دولية.. مازال لها ثأر مع مصر، يعود لتلك المرحلة، وما زالت تعتبر أن مهمة الاغتيال السياسي المعنوي.. لشخصية ناصر وثورة يوليو، رغم مرور أكثر من خمسين عاماً على وفاته، وأكثر من سبعين عاما ًعلى قيامها؛ هي مهمة لا تتحمل التخفيف ولا التأجيل، وذلك للحيلولة التامة دون أن تولد الظاهرة مجددًا.
وفي ذلك، تجدر الإشارة إلى الفيديو المتداول علناً، وفيه وزير خارجية دولة عربية.. يسرد جزءاً من تاريخ العلاقة بين بلاده وبين الولايات المتحدة، وكيف أن بلاده كانت شريكاً رئيسياً متعاوناً مع أمريكا.. لإسقاط نظام ناصر!. ولقد نشرت «المصري اليوم» مقالات في ذلك الاتجاه المعاد إنتاجه.. لثلاثة كتاب، ولو أن ما كتبوه ونشرته الصحيفة؛ حمل جديداً يحكمه المنهج العلمي لدراسة التاريخ، أو حوى دروساً مستفادة من ذلك الماضي، كي يتم تجنب ما وقع فيه من أخطاء، وتتم المراكمة على ما كان إيجابياً، أو حتى.. حمل لغة مغايرة ونقاطاً مختلفة، في السياق الذي استمر من قبيل منتصف السبعينيات من القرن العشرين إلى الآن، لكان الأمر مقبولاً ومثيراً لحوار بناء.. بهدف استشراف مستقبل أفضل، على ضوء من دروس ماضٍ تم وانتهى.
ثم إنني كنت قد وعدت في نهاية مقال الأسبوع الفائت – الذي كتبت فيه عن العلامة الفذ الدكتور مصطفى زيور – أن أذكر ما في موسوعة علم النفس والتحليل النفسي.. عن تلك الطغمة، ولكنني أؤجل ذلك للأسبوع المقبل.. إن كان في العمر أسبوع إضافي، لأتجه إلى ما أسميه تمنيات المواطن العادي، لما يمكن أن يترتب على قمة الدوحة.. التي انعقدت مساء الاثنين الماضي، وأتابع وقائعها الآن وأنا أكتب هذه السطور.
فإن أول أمنية: هي ألا تتلقى الدولة الصهيونية بعض تطمينات عربية أو إسلامية – أو كلتيهما معاً – فيها الطمأنة بأن الكلام ليس عليه حساب، وأن احتمالات الانتقال من القول إلى الفعل – بأي درجة – غير واردة، وفيها الاعتذار عن لغة الإدانة والتهديد التي ترددت في القاعة.
والأمنية الثانية: أن يتم فتح القنوات والنوافذ لصوت الشعوب، مثلما هو الحال في الدول الأوروبية، وبعض المؤسسات في الولايات المتحدة.
أما الأمنية الثالثة: فهي التأكيد العملي على أن المواجهة ضد الصهاينة، لا بد أن تكون بالأساس حضارية ثقافية علمية تقنية.. قوامها إنسان مواطن، له حقوق مواطنة سليمة وكاملة، ويملك وعياً ثقافياً عميقاً بأولويات وطنه.
والأمنية الرابعة: هي أن نشهد، خلال الفترة المقبلة.. (شهوراً أو عدة سنوات)، ما يبرهن على استفاقة عربية.. باتجاه إقامة حوائط الصد الاقتصادية والسياسية والعسكرية المشتركة.
نقلاً عن «الأهرام»