Times of Egypt

تكريم شهيدات المنوفية يكون بتصحيح أوجه الخلل 

M.Adam
زياد بهاء الدين 

زياد بهاء الدين  

باتت مصر كلها، طوال الأسبوع الماضي، مصدومة وحزينة.. من فاجعة وفاة الفتيات العائدات من عملهن بمصنع تجهيز صادرات زراعية في المنوفية.  

الطرق السريعة عموماً.. باتت بالغة الخطورة وتحصد سنوياً – بحسب الإحصاءات الرسمية للعامين الماضيين – ما يزيد على 5 آلاف قتيل، لكل منهم قصة، وحياة مغدورة، وبيت مكلوم.. ولكن الصدمة والحزن هذه المرة كانا هائلين؛ لعدد الفتيات، ولصغر أعمارهن، ولأنهن من ذات القرية، ولأن مشوارهن اليومي كان بحثاً عن دخل إضافي.. يساعدن به أنفسهن وأسرهن، ولأن مشهد خروج القرية كلها.. حرك القلوب والمشاعر في كل بيت مصري. 

 ومع الصدمة والحزن، يأتي أيضاً الغضب – وهو مبرَّر بالتأكيد – والبحث عمن يتحمل وزر هذه الفجيعة. هل يقع الخطأ على المسؤول عن تسيب المرور؟ أم عن عدم سلامة الطريق؟ أم على سائق سيارة النقل التي تسببت في الحادث؟ أم على سائق سيارة الفتيات؟ أم أن اللوم يقع على الوضع الاقتصادي، الذي دفع الضحايا للعمل باليومية.. بعيداً عن منازلهن؟ أم على ضعف نفاذ القوانين المنظمة لعمالة الأطفال؟ أم على أصحاب العمل لعدم توفير وسائل نقل آمنة، أم على الفوضى الضاربة في كل مجال؟!   

رد الفعل التلقائي – المتعاطف مع الفتيات ومع عائلاتهن – اتجه للبحث عن الطرف أو الشخص المسؤول عن هذه الفجيعة. ولكن للأسف.. فإن الحقيقة تكون دائماً أكثر تعقيداً، وتقتضي فتح ملفات متداخلة وربما مسكوتاً عنها، وعلى رأسها أولويات الإنفاق العام، وحالة المرور. 

منطق الإنفاق العام على البنية التحتية، وفلسفة التنمية السائدة.. يركزان الموارد في بناء الجديد، وفي استيراد الأفضل، وفي الإسراع بالتنفيذ، وفي حجم الإنجاز، سواء عدد الكيلومترات والحارات أم ارتفاع المباني وضخامة المساحات. هذا منطق «موسوعة جينيس» للأرقام القياسية، وهو يتعارض مع مفهوم التنمية المتوازنة التي تهتم أيضاً بتجديد وصيانة ما هو قائم، وليس فقط بناء وافتتاح المشروعات الجديدة، كما يهتم بالرقابة والتفتيش، وبتدريب القائمين على المرفق العام. والمشروع الذي يتكلف عشرات المليارات.. من أجل تشييده وافتتاحه، قد لا يحتاج إلا نسبة مئوية زهيدة.. للصيانة والتدريب والرقابة، ولكنها النسبة الأكثر أهمية في الحفاظ على أرواح الناس. 

ثم هناك ملف الانضباط المروري.. ولا أزعم خبرة أو معرفة كافية به.. ولكن الأكيد أن الحالة المرورية الراهنة ليست طبيعية ولا مقبولة. والأكيد أيضاً أن إصدار المزيد من القوانين، وتشديد العقوبات.. ليسا كافيين لإنقاذنا من الفوضى المرورية، التي تؤثر سلباً في كل شيء.. في إهدار الموارد، وضياع الوقت، والتعرض للبلطجة، والصحة، وطبعاً مخاطر الحوادث القاتلة. 

…  أسئلة مفتوحة في كل الاتجاهات، وكثير منها لن يجد إجابة واضحة، إلا حينما تنتهي تحقيقات النيابة العامة. 

 ولكن علينا الخروج من منطق البحث عمن يحمل الوزر.. إلى منطق إصلاح مظاهر الخلل العميق، التي أودت بحياة فتياتنا البريئات. ومع تقديري بالطبع للدعم والمساندة والتضامن – من جانب الدولة ورجال الأعمال والمجتمع بأسره – وكلها جهود مقدرة ومحترمة – إلا أن تكريم ذكرى الشهيدات، يقتضي العمل على تجنيب غيرهن من الفتيات والشبان وأهاليهم.. ذات المصير. 

 مع خالص التعازي لأهالي الشهيدات والدعاء لهن بالرحمة. 

نقلاً عن «المصري اليوم« 

شارك هذه المقالة