Times of Egypt

تطوير الإعلام.. وكسر «القُلة»! 

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام

ضخ دماء جديدة.. الإحلال والتجديد. 

قد يصلح ذلك في مهن عديدة.. إلا تلك القائمة على الإبداع وتراكم الخبرات، مثل الصحافة والإعلام. 

لا أقول بالاستعانة بأصحاب التاريخ المشرِّف.. في مناصب قيادية، فهذا أمر يجب أن يتولاه الشباب؛ من ذوي الكفاءة والتميز والانفتاح على العالم، وليس «أصحاب الحيثية».. الذين يقدمون العلاقات على المهنة، و«الترند» على المضمون. 

منذ سنوات، نصبنا «سرادقاً كبيراً».. ننعى فيه حال الصحافة، وابتعاد الناس عنها. لكننا – وسط هوجة اقتراحات وأفكار التطوير والعلاج – نسينا أجيالاً.. ساهمت – خلال الأعوام الثلاثين الماضية أو أكثر – في تقديم تجارب صحفية مصرية متميزة، بل وعربية أيضاً.

غالبية هذه الأجيال، تجلس حالياً في بيوتها.. تجتر الماضي، ولا تجد فرصة للعمل، أو منفذاً يستفيد من خبراتها. بعضها يعمل أو يبحث عن عمل.. بعيداً عن المهنة التي عشقها، وأفنى زهرة حياته فيها. أعرف أساتذة صحفيين.. كانوا رموزاً بحق؛ من خلال انفراداتهم وكتاباتهم وأفكارهم، قبعوا في الظل.. لأن المناخ لم يعد يسمح باستيعابهم. 

عندما قامت ثورة 23 يوليو، واصل نجوم الصحافة عملهم، ولو صدر قرار بإحالتهم للاستيداع.

تواصل إبداع فكري أباظة والتابعي وحافظ محمود ومصطفى وعلي أمين وإحسان عبدالقدوس وغيرهم. لا أقول إن لدينا الآن مصطفى أمين وإحسان وأباظة، فلكل زمن رجاله، لكني أرى أن ابتعاد الخبرات المبدعة عن المشهد الصحفي والإعلامي.. خسارة كبيرة لمصر.

أكثر ما أحزنني في استقالة الزميلة نشوى صالح – مراسلة قناة النيل للأخبار – قولها: «إن سنوات العطاء لم تقابل بالتقدير المهني والإنساني؛ بل وجدت بيئة عمل تُقصي الكفاءات، وتفتح الباب أمام الوساطة والمجاملات.. على حساب العدالة والقانون». 

المراسلة المحترمة كتبت ذلك، وهي مازالت تعمل، بينما هناك مئات الصحفيين.. خرجوا من المشهد تماماً. لا يستمع إليهم أحد، ولا تتذكرهم حتى صحفهم. 

تعاني صحافتنا من تضاؤل هامش الحرية، وتدنِّي المحتوى التحريري، وسيطرة الجانب التكنولوجي على كل ما عداه. المطلوب نوع من التوازن. استخدام الأدوات التكنولوجية.. ضروري للغاية، لكن تميز المحتوى وعمقه وجاذبيته، فرض عين على كل صحفي وصحيفة وموقع. 

وجود أصحاب الخبرات – خاصة الذين جمعوا بين العمل في الورقي والإلكتروني – من شأنه تصحيح هذا الخلل. المسألة ليست إنسانية بحتة.. لدعم هؤلاء «الكبار» مادياً، وإن كان هذا هدفاً نبيلاً. بل هي – وبالأساس – تستهدف تصحيح الأوضاع، وجزء مهم يجب أن يشمله التطوير المقترح.

القطيعة بين الأجيال في مهنة الصحافة والإعلام.. مرض يجب أن نبرأ منه. لا يمكن أن نمضي قُدماً فيما يسمَّى الإعلام الجديد، ونهدم الإعلام القديم، ونهيل التراب على رموزه. إنها تقسيمة غير صحيحة. 

هناك إعلام جيد، وآخر غير ذلك. وهناك صحافة ترتقي إلى مستوى تطلعات القارئ، وأخرى تفشل في ذلك. خلال وجودي في لندن مراسلاً للأهرام – في الفترة من 1995 حتى 1999، واطلاعي على أحوال الصحافة البريطانية – كانت أعمار رؤساء التحرير حول الثلاثين عاماً، لكن المحرر السياسي، والاقتصادي، والبرلماني.. للجريدة، من أصحاب الخبرات؛ الذين يصل أعمار بعضهم للسبعين. 

الصحافة مهنة تواصل أجيال، وليس أن نكسر «القُلة» وراء المحال للمعاش.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة