Times of Egypt

تطور فكرة الحرية عند توفيق الحكيم وحتى هذا الزمان

M.Adam
محمد أبو الغار 

محمد أبوالغار 

الناس – منذ وجدوا على الأرض.. في هيئة جماعات منظمة – لم يكفوا عن التفكير في سلطان يحكم. وكانوا يعتقدون أن الآلهة.. هي التي تم استبدالها بحكام من أنصاف الآلهة، يستمدون سلطاتهم من الآلهة. وهنا ظهر نفوذ الكهنة ورجال الدين.. من كل الأديان. وجاء وقت في التاريخ، فكر الناس برؤوسهم، وهنا نشأت الديمقراطية، فالأمر متروك للناس.

واحتار توفيق الحكيم – في شبابه – بين الحاكم الديمقراطي، وبين الحاكم العسكري الديكتاتوري، والحاكم الفيلسوف الحكيم. وتخيل أنه يمكنه أن يجمعهم معاً؛ فكتب مسرحية «براكسا».. التي نشرها عام 1939، فتصور أن نساء أثينا استولين على السلطة.. بقيادة براكسا؛ التي نظمت حركة سياسية.. خرجت عند الفجر مع مجموعة من النساء، وقامت باحتلال برلمان أثينا، وبدأت تخطب في الشعب: «إنه ليدمي قلبي، أن أرى الفساد قد دبَّ في جسم الدولة.. كما يدب الموت البطيء، وأن الرؤساء لا يعنيهم من أمر الدولة.. غير أنفسهم، ومن يحيط بهم». 

وتولت النساء الحكم، وقلن إننا أكثر اقتصاداً من الرجال، وأكثر عملاً على راحة الأسرة، وأكثر موهبة في التنظيم والتنسيق، وأكثر من الرجل دهاءً وفطنة. والمرأة أكثر أمانة من الرجل، ومحبّة للحرية؛ بل هي روح الحرية. وهي أقدر على حماية الديمقراطية. وتتسلم براكسا والنساء السلطة، ثم يأتيها قائد الجيش الوسيم هيرونيموس.. مطالباً برفع مرتبات الضباط، ويريد القيام بحرب ضد مقدونيا، وتعشقه براكسا.. وتقع في أحضانه، فيتعانق السيف مع الحمامة. ويبدأ قائد الجيش في ترويع الشعب.. بالعنف، وعندما احتج الحكيم الفيلسوف أبوقراط – على تصرفات قائد الجيش – أودع في السجن.

وتزور براكسا الفيلسوف أبوقراط في السجن، وتفزع مما حدث من عنف لأبي قراط – أستاذها -على يد قائد الجيش، ويحدث سجال بين الثلاثة، يقول هيرونيموس: أنا النظام، وجمعتُ شمل الأمة، ومنعتُ الأحزاب، إنها إرادتي.. وسوف أُخلِّد المجد. ويحدث سجال مع براكسا، ويتدخَّل أبوقراط.. فيقول (وهو رأي توفيق الحكيم في شبابه): إذا حكمت براكسا وحدها (الحرية والديمقراطية) فهناك خوف من الفوضى، وإذا حكم هيرونيموس وحده.. فهي (الديكتاتورية العسكرية)، وأفضل نظام للحكم.. أن نشترك نحن الثلاثة معاً؛ أبوقراط بفلسفته وحكمته، وبراكسا بالحرية والديمقراطية، وهيرونيموس بالحزم. 

فأمر هيرونيموس: ضعوا الأغلال في أقدام أبي قراط وبراكسا، وانتصرت الديكتاتورية.

وفي عام 1954 – وبعد 15 عاماً – أضاف الحكيم 3 فصول لمسرحيته؛ حيث قام الشعب الأثيني بالثورة – برعاية الفيلسوف أبوقراط – ليستولي على السلطة، فيبدو أن الحكيم.. بعد أن نضج، غيَّر أفكاره وعدّلها، وقد تغيرت مع الزمن، وأصبح هو أكثر إيماناً بالحرية والديمقراطية.

الفلاسفة يُجمِعون على أن التاريخ العالمي.. هو التقدم في الحرية. والبعض يقول إن الحرية هي تجسيد للإرادة الإلهية. 

إذا لم تكن الحرية غاية – كما يعتقد الكثيرون – فهل هي وسيلة الإنسان.. فرداً وجماعة.. من أجل تحقيق الذات الإنسانية؟ 

… الحقيقة، أنه لا يوجد تعريف متفق عليه للحرية؛ فللفلاسفة والمفكرين تعريف، وكلمة الحرية أصبحت مقطعاً من غنوة، وشعاراً وبرنامجاً.. لهيئة أو لحزب. الجميع يعتبر الحرية شعاراً، وعتاة الديكتاتورية – عبر التاريخ – في ألمانيا النازية، وفي عهد ستالين، وفي زعماء العالم الثالث من الديكتاتوريين.. كلهم يتحدثون عن الحرية والديمقراطية، واشتراك الشعب في الحكم، وفي نفس الوقت.. يسجنون الآلاف من المعارضين.. بدعوى الحفاظ على الديمقراطية والحرية.

الحرية تكتب كل يوم.. تعريفاً جديداً، ورؤية، ومعنى جديداً. وفي التعريفات الحديثة للحرية: هي القدرة على تحقيق إرادة الإنسان، دون أن يعوقها – أو يمنعها أحد – بشرط ألا يؤثر تحقيق الإرادة.. على حرية الآخرين وإرادتهم.

ومن ضمن قواعد الحرية، إطلاق الفرصة للإنسان.. أن يحاول أن يُقنع الآخرين – سلمياً وبحرية تامة – بأفكاره وآرائه.

العنف والقهر.. يستطيعان أن يهلكا الجسد المادي، والعضوي.. لكنهما غير قادرين دائماً، على منع الفكر الحر للإنسان. ومن الأقوال المعبرة عن الحرية الحقيقية: «نحن أحرار، بمقدار ما يكون غيرنا أحراراً». والحرية تصل إلى قمتها.. عندما يكون الإنسان قادراً على حرية الرأي والتعبير، وقادراً على حرية العبادة، والتحرر من الحاجة إلى الأشياء الضرورية المهمة في الحياة؛ وهي المأكل والملبس والسكن، والتعليم والصحة، وأخيراً التحرر من الخوف، لأن الخوف يقتل الحرية.

وفي العصر الحديث، الحرية الفردية تمثل عدة مستويات من النشاط؛ وهي حرية الفكر والرأي، والحرية السياسية وتكوين الجمعيات، وحرية العمل والمبادرة الاقتصادية، وكلها تنبع من سيادة الشخص على نفسه.

وعلى اختلاف التعبير عن مفهوم الحرية؛ فإن الحرية تعني فك القيود، والتخلص من الأغلال.. التي تحد من حركة الإنسان، وتقيد تفكيره، وتحد قراراته؛ بحيث يشعر الإنسان.. أنه لا قيمة له، ولا لأفكاره.. التي هي ممنوع التحدث عنها.

هناك جزء من القيود على الحرية.. وهمي، وغير حقيقي.. أن يقيد الإنسان نفسه، لأنه يشعر أنه.. إذا تحدث بحريته، وقال ما يريد.. سوف ينبذه المجتمع. فهذا النوع من فقدان الحرية، لا دخل لنظم الحكم والقوانين فيه، وإنما هو نتاج مجتمع مغلق.

بالرغم من أن كلمة «الحرية» و«الديمقراطية».. ظهرت منذ عصر ديمقراطية أثينا، إلا أنه على أرض الواقع، كانت الحرية والديمقراطية موجودة.. بين أفراد محدودي العدد، في بعض الدول القليلة. والديمقراطية الحديثة ظهرت في غرب أوروبا – وبالذات في بريطانيا، منذ عام 1700 – وتطورت تدريجياً حتى وصلت إلى الديمقراطية الحديثة.. في القرن 19، وفي فرنسا بعد أن استتبت أوضاع الثورة الفرنسية.

الغرب بأكمله.. فيه نوع من الحرية والديمقراطية، لكنه غير متكامل في الشرق، واليابان وسنغافورة وأستراليا.. فيها ديمقراطية معقولة.

دول العالم الثالث بأكملها.. إما فيها ديكتاتورية واضحة مكتملة، أو ديكتاتوريات مصحوبة ببعض الحريات. وفي النهاية، فإن الإنسان – بدون حرية – ينقصه جزء مهم من إنسانيته، ووجوده كإنسان.. يبدع ويعمل وينتج ويفكر. 

نحلم بيوم ينال فيه سكان العالم أجمعه.. حريتهم

»قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك«

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة