تصاعدت التوترات السياسية في جنوب السودان، اليوم الأربعاء، بعد أن فرضت قوات من الجيش طوقًا أمنيًا مشددًا على منزل رياك مشار، نائب رئيس البلاد، في العاصمة جوبا، بالتزامن مع حملة اعتقالات واسعة استهدفت عددًا من كبار المسؤولين والقيادات العسكرية المقربين منه.
وكشف المتحدث باسم مشار أن وزير النفط بوت كانج شول وعددًا من القادة العسكريين البارزين المتحالفين مع مشار، جرى اعتقالهم ووضع آخرين تحت الإقامة الجبرية، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تهدد استقرار اتفاق السلام الموقع عام 2018، والذي أنهى حربًا أهلية دامية.
وأوضح المتحدث أن من بين المعتقلين نائب قائد الجيش، إلى جانب شخصيات عسكرية بارزة أخرى. وأشار إلى أن قوات أمنية انتشرت حول مقر إقامة مشار، إلا أن الأخير تمكن صباح الأربعاء من التوجه إلى مكتبه بشكل طبيعي.
كما أكد أن جابريل دوب لام، نائب رئيس هيئة الأركان، الموالي لمشار، تم اعتقاله أمس الثلاثاء، بينما اعتُقل وزير النفط بوت كانج شول اليوم الأربعاء، إلى جانب حراسه الشخصيين وأفراد أسرته، دون تقديم أي مبررات رسمية لهذه الاعتقالات.
في الوقت نفسه، لم يصدر تعليق رسمي من رياك مشار أو من حزبه الحركة الشعبية لتحرير السودان، لكن وزير المياه والناطق باسم الحزب، بال ماي دينج، أكد أن هذه الإجراءات “تقوض بالكامل اتفاق السلام”، محذرًا من أن التصعيد المتسارع قد يدفع البلاد إلى أتون صراع جديد.
خلفية التوترات
تأتي هذه التطورات في ظل خلافات متصاعدة بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار، حيث حذر مشار الشهر الماضي من أن عزل عدد من حلفائه من مناصبهم الحكومية يُهدد بشكل مباشر اتفاق السلام الموقع بين الطرفين عام 2018، والذي أنهى حربًا أهلية استمرت 5 سنوات وأودت بحياة 400 ألف شخص وأجبرت 2.5 مليون مواطن على الفرار من منازلهم.
ورغم مرور سنوات على توقيع الاتفاق، إلا أن العنف بين القبائل والاضطرابات الأمنية لا تزال تندلع بشكل متكرر، في ظل هشاشة الوضع السياسي وصراع مراكز القوى داخل الدولة الوليدة.
دعوات للتهدئة وتحذيرات من حرب جديدة
المبعوثون الغربيون كانوا قد دعوا الأسبوع الماضي طرفي النزاع إلى خفض التصعيد وتجنب الانزلاق نحو المواجهة المسلحة.
في المقابل، حذر تير مانيانج جاتويتش، المدير التنفيذي لمركز السلام والمناصرة، من أن استمرار حملة الاعتقالات قد يفجر العنف مجددًا ويقود البلاد إلى حرب شاملة، داعيًا إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين وفتح قنوات حوار بين الأطراف السياسية.
جنوب السودان.. بين سلام هش وشبح الحرب
تُشكل هذه التطورات تهديدًا مباشرًا للاستقرار السياسي والأمني في جنوب السودان، حيث يعتمد اقتصاد البلاد بشكل رئيسي على عائدات النفط، التي تراجعت بشدة خلال سنوات الحرب، قبل أن تشهد بعض التعافي بعد توقيع اتفاق 2018.
ومع استمرار الشكوك في مدى التزام الأطراف بتنفيذ بنود الاتفاق، وتصاعد التوتر بين كير ومشار، تبدو البلاد أمام منعطف خطير قد يعيدها إلى مربع العنف والفوضى، ما لم تتدخل القوى الإقليمية والدولية بشكل عاجل لتطويق الأزمة.