Times of Egypt

ترامب و«لحظة السويس»!

M.Adam
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام..
دخل العدوان الثلاثي على مصر – أو ما يُسمى في الغرب «أزمة السويس» – التاريخ، على أنه مثال تاريخي على مبالغة قوة كبرى.. في قدراتها، واتخاذها قراراً كارثيّاً.. ينتهي بتحطيم أوهامها، وتحوُّلها إلى قوة من الدرجة الثالثة أو أقل.
في عام 1956، تواطأت بريطانيا وفرنسا مع إسرائيل.. لغزو مصر، والاستيلاء على قناة السويس.. رداً على تأميم الرئيس عبدالناصر للقناة. رأت دول العالم – وفي مقدمتها أمريكا والاتحاد السوفيتي آنذاك – في ذلك العدوان.. غطرسة من قوتين إمبرياليتين.. آخذتين في التلاشي،لكنهما تريدان التشبث بأوهام العظمة. جرى إجبار لندن وباريس..(وبالتبعية إسرائيل)، على الانسحاب. ومن يومها، تعيش الدولتان على إرث الماضي.. بعد أن خسرتا الحاضر والمستقبل.
لاري سامرز – المفكر الاقتصادي المرموق، وزير الخزانة الأمريكي الأسبق في عهد بيل كلينتون – رأى مؤخراً.. أن أزمة الرسوم الجمركية، بمثابة «لحظة السويس»..بالنسبة للولايات المتحدة. بالغ الرئيس ترامب في تقدير قوة بلاده.. دون دراسة أو خطة أو استراتيجية. تصرَّففقط، طبقاً لما أملته عليه أوهامه وغطرسته، ورؤيته.. قصيرة النظر للعالم، دون استشارة مساعديه، أو رجال الأعمال وأصحاب الشركات.
قرر فرض رسوم جمركية على الحلفاء.. قبل الخصوم، بنسب غير مسبوقة. استهدف الصين بأعلى الرسوم، واعتبرها فرصة لإثبات مدى قوة أمريكا، ومحاولة لتركيع الصين، ووقف صعودها للقمة. كان رد الفعل الداخل الأمريكي على قراراته.. حاداً وكارثياً. البورصة فقدت مئات آلاف المليارات من الدولارات، والشركات أُصيبت بالهلع. أما المستهلكون، فبدأوا الصراخ من ارتفاع الأسعار، وحالة الفوضى في الأسواق.
ابتلع الرئيس الأمريكي كرامته.. إلا قليلاً. تراجع عن الرسوم الجديدة المفروضة على كل الدول.. باستثناء الصين.
لم يشفع له ذلك. فالصين تُنتج سلعاً لا يستغني عنها الأمريكيون؛ مثل التليفونات المحمولة (80٪ من تليفونات الآيفون منتجة هناك)،وأجهزة الكمبيوتر وغيرها. ارتفعت أسعار تلك المنتجات بنسب هائلة. ابتلع ترامب ما تبقى من كرامته، وقرر وقفاً مؤقتاً للرسوم على تلك المنتجات المستوردة من الصين.
أصبحنا أقرب إلى «لحظة السويس»؛ ليس فقط بالنسبة لأمريكا، بل ترامب أيضاً.. كما كتب الصحفي والمؤلف الاسكتلندي جافين إسلر. نحن أمام قوة عظمى.. بالغت في تقدير قوتها، وأحرجت أصدقاءها وخصومها، لكنها أُجبرت على التراجع.. لافتقار زعيمها إلى التفكير الاستراتيجي، وإلى السياسة أساساً. تراجع ترامب – ليس لأنه أدرك خطأه – فهو يعتبر نفسه منزهاً عن الخطأ، وخياراته صائبة دائماً.. بل لأنه شعر أن الناخب الأمريكي – الذي انتخبه للتو بأغلبية كبيرة – بدأ يندم على ذلك. فئات شعبية كثيرة – خاصة المزارعين – بدأت التعبير علناً عن رفضها سياساته.
«إذا كسرتَ البيض، فعليك صُنع العجة».. هكذا علق أنتوني إيدن- رئيس الوزراء البريطاني زمن العدوان الثلاثي – على الكارثة التي يتحمل مسؤوليتها. لم يستطع إيدن صُنع العجة؛ فتم إجباره على الاستقالة، والعيش في عزلة.. حتى وفاته 1977.
ترامب يقوم حالياً بتكسير البيض، ولم ينجح بعد في طهي عجة، بل حوَّل الأمور إلى فوضى كاملة. ومع ذلك – حتى لو استمر في الفشل – فإنه باقٍ في منصبه حتى 20 يناير 2029.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة