Times of Egypt

ترامب وقرار التدخل العسكري.. حافة الهاوية والنتائج غير المقصودة

M.Adam
عمرو حمزاوي

عمرو حمزاوي

تقترب أوضاع الشرق الأوسط.. من حافة هاوية بالغة الخطورة. فالتدخل العسكري المحتمل للولايات المتحدة الأمريكية.. إلى جانب إسرائيل في حربها على إيران، قد يزج بمنطقتنا إلى أتون مواجهة واسعة بين الأطراف الثلاثة.. علما بأن لواشنطن قواعد عسكرية كبيرة وجنودا وضباطا، يقترب عددهم من أربعين ألفا. وتنخرط تل أبيب – منذ أكتوبر 2023 – في حرب على غزة، وحرب استنزاف في لبنان، وتتواصل عملياتها العسكرية في سوريا واليمن، ولطهران وكلاء في اليمن والعراق.. لديهم شيء من القدرة على تهديد المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

مواجهة ثلاثية كهذه – على الرغم من الثقة التي يبدو عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حين يطالب إيران «بالاستسلام الشامل»، وغرور القوة الذي يتردد صداه في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. عن «سماء إيران» التي صارت تحت سيطرة جيش بلاده، وفوارق القوة العسكرية والإمكانات الاستخباراتية، التي تميل بشدة في غير صالح الجمهورية الإسلامية – مواجهة كهذه.. لا يمكن أبدا التنبؤ.. لا بتفاصيلها، ولا تحولاتها، ولا ما قد تحدثه من دمار، ولا مداها الزمني والجغرافي، ولا تداعياتها السياسية، ولا الأخطاء فى الحسابات والأفعال.. التي يمكن أن ترتب طيفا كارثيا.. من المخاطر والنتائج غير المقصودة.

فيما خص الولايات المتحدة الأمريكية، فإن دونالد ترامب – ومعه دائرة ضيقة من الخلصاء كجاريد كوشنر، زوج ابنته إيفانكا – يملك قرار التدخل العسكري في الحرب الإسرائيلية-الإيرانية من عدمه.

فعلى الرغم من شيء من الانقسام في الحزب الجمهوري – الذي تعالت به أصوات مؤيدة، وأخرى معارضة – وبعض الحديث عن تباينات في التقدير.. داخل المؤسسات العسكرية والاستخباراتية، إلا أن الرئيس ترامب يحظى بولاء النافذين في حزبه وقيادات إدارته.. الذين حتما ستنضوى أغلبيتهم – إن ثقة فيه، أو خوفا من غضبه – تحت مظلة دعم قراره وتبريره.. بغض النظر عن فحواه. 

كذلك، ولأن الرئيس لا يحتاج دستوريا إلى موافقة الكونجرس.. على شن ضربات جوية وصاروخية على إيران، لكون موافقة السلطة التشريعية ليست ضرورية.. سوى عند إرسال قوات عسكرية إلى خارج الأراضى الأمريكية، ولكون الولايات المتحدة قد اعتادت – خلال العقود الماضية (منذ 2001) – على اتخاذ الرؤساء المتعاقبين.. قرارات توجيه ضربات عسكرية هنا وهناك، دون الرجوع إلى السلطة التشريعية، (ولم يختلف هنا الرؤساء الديمقراطيون عن نظرائهم الجمهوريين)؛ فإن ترامب يستطيع أن يتجاهل صخب المؤيدين والمعارضين.. داخل الكونجرس برمته. والأرجح أيضا – وعلى الرغم من أن حالة الاستقطاب الحاد في الرأي العام الأمريكي بشأن الرئيس وسياساته الداخلية والخارجية (شهدت مظاهرات «لا ملوك».. المعارضة لمواقف وقرارات ترامب فى 14 يونيو 2025، مشاركة شعبية واسعة) ستمتد إلى التدخل العسكري في الحرب الإسرائيلية-الإيرانية – أن الرجل لن يتأثر بالأمر كثيرا، لأنه – ببساطه – لا يعنيه سوى أنصاره المباشرين، والمنظمين في حركة «ماجا» (الحروف الأولى من كلمات عبارة إنجليزية مفرداتها هي «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا»)، وقاعدته الانتخابية التي تمثل نصف الشعب الأمريكي، والأنصار المعروفون (باستثناءات محدودة.. كستيفن بانون وتاكر كارلسون) معه، والناخبون يصطفون وراءه.

الشاهد، إذا.. أن البيئة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة؛ بمكوناتها المختلفة (الإدارة، والمؤسسات العسكرية والاستخباراتية، والكونجرس والحزب الجمهوري، وأنصار الرئيس وقاعدته الانتخابية والمعارضة).. تعطي دونالد ترامب حرية اتخاذ قرار التدخل العسكري فى الحرب الإسرائيلية-الإيرانية من عدمه. 

وبحسابات اللحظة الراهنة (أكتب هذه الأسطر مساء 18 يونيو 2025)، يبدو الرئيس الأمريكي أقرب إلى التدخل.. بهدف معلن، هو تدمير البرنامج النووي الإيراني، في سياق تنسيق كامل مع حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل.. التي لها أيضا أهداف أخرى.

***

هنا تحديدا، يتضح الطيف الأساسي من المخاطر، والنتائج غير المقصودة.. التي قد تكون إدارة ترامب معه؛  بسبب إصرار حليفها الإسرائيلي على عدم الاكتفاء بتدمير البرنامج النووي، وتجاوز ذلك إلى تدمير القدرات الصاروخية لإيران، وزعزعة تماسك نظام الجمهورية الإسلامية.. على نحو قد يرتب خلخلته ثم انهياره.

فالرغبة المجنونة لليمين المتطرف في إسرائيل.. باتجاه تغيير نظام الحكم فى إيران، ستفتح بوابات جهنم العنف الأهلي، وعدم الاستقرار طويل المدى.. فى بلد له كثافة سكانية مرتفعة، وجغرافياه واسعة ومهمة. وستعني أيضا حالة من انعدام الأمن الإقليمي.. أيضا طويل المدى. يدرك العقلاء في وزارات الخارجية والدفاع وفي المؤسسات العسكرية والاستخباراتية، وفي مجلس الأمن القومي.. هذه المخاطر، ولا يريدونها.. بعد تجارب تغيير النظم الكارثية في العراق وليبيا.

***

كما أن تدمير القدرات الصاروخية لإيران – ومن ثم نزع شرعية «الدولة القوية».. عن الجمهورية الإسلامية، بعد أن تعرض وكلاؤها في الشرق الأوسط لضربات إسرائيلية عنيفة.. منذ 7 أكتوبر 2023 – قد يدفع المرشد الأعلى خامنئي.. والنخب النافذة.. إلى الرد غير المنضبط وغير المحسوب، وتنفيذ خطوات تصعيدية؛ كضرب مناطق مدنية في إسرائيل، ومهاجمة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وإغلاق مضيق هرمز، وتهديد المصالح الإسرائيلية والأمريكية في العالم.. (للجمهورية الإسلامية ماض تورطت به في عمليات في أوروبا وأمريكا اللاتينية وساحات أخرى). بل إن وكلاء إيران؛ كحزب الله اللبناني – على الرغم من وطأة الدمار الذي أنزلته به إسرائيل – وجماعة الحوثي في اليمن.. التى تقلصت قدراتها العسكرية بعد الضربات الأمريكية المتتالية، والميليشيات العراقية.. التي ألزمتها حكومة محمد الشياع السوداني، بعدم التورط في الحرب الدائرة. 

وحال تعرض راعيهم – المتمثل في الجمهورية الإسلامية – لتهديدات وجودية؛ تترتب على تدمير البرنامج النووي والصواريخ، وخلخلة نظام الحكم، يصعب تصور بقائهم (الوكلاء) التام خارج معادلات الصراع، وامتناعهم عن توظيف «ما تبقى لديهم» من صواريخ ومسيرات.. لتهديد الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط (والوكلاء قريبون للغاية من بعض مواقعه) ومهاجمة إسرائيل.. وهو ما قد يسفر عن امتداد نطاق الحرب الدائرة.

هنا أيضا، يدرك العقلاء داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب.. أن خليطا من رد إيراني غير منضبط ضد وجود الولايات المتحدة ومصالحها فى الشرق الأوسط، وضد إسرائيل، ومن تورط الوكلاء.. لن يعني سوى تدخل عسكري أمريكي في الحرب، يتجاوز حدود إرسال طائرات ب-2، والقنابل الفائقة القوة التفجيرية.. إلى عمليات عسكرية في الجو والبحر وعلى الأرض.. أوسع من ذلك بكثير، وذات أخطار كبرى.

مجرد احتمالية هذا التدخل العسكري الواسع والخطير، تتناقض – بوضوح – مع ما يعد به ترامب في سياسته الخارجية.. القائمة على عدم استنزاف موارد وقدرات أمريكا.. بعيدا عن أراضيها. وتنتقص كذلك من شرعية خطاب «الولايات المتحدة أولا»، لكون التدخل العسكري الأمريكي في الحرب الإسرائيلية-الإيرانية.. سيخدم – في المقام الأول – مصالح تل أبيب في الشرق الأوسط، وليس مصالح واشنطن، ولا مصالح حلفائها الآخرين.. من العرب والأتراك، الذين يعارضون الحرب، ويبحثون في الحلول التفاوضية، وترتيبات الأمن الجماعي، ويرفضون مشروع الهيمنة الإسرائيلية.. في منطقة ضاقت شعوبها ذرعا بالدماء والدمار، مثلما ضاقت باستمرار الظلم التاريخي.. الذي يمثله الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الشعب الفلسطيني، وكل ما يترتب عليه من عنف واستيطان وتهجير.

* أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

نقلا عن «الشروق»

شارك هذه المقالة