Times of Egypt

ترامب والوضع الجديد في سوريا!  

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

أحمد يوسف أحمد 

أبدى البعض، وربما الكثيرون، اندهاشهم من قرارات دونالد ترامب الأخيرة.. بشأن الوضع الجديد في سوريا، التي انطوت على دعم واضح. صحيح أنه مرتبط بطلبات محددة من قيادتها الجديدة، لكن الواضح أن الاستجابة لهذه الطلبات، ليست شرطاً لتنفيذ قراراته؛ بدليل أنه أوقف العقوبات على سوريا بالفعل، قبل أي تحرُّك باتجاه تلبية تلك المطالب. ومصدر الدهشة – لدى البعض أو الكثير – هو الخبرة الماضية عن القيادة السورية الحالية، والتنظيم الذي كانت تتزعَّمه، والفصائل التي تحالفت معه.. في إسقاط نظام الأسد؛ وهي خبرة جعلت الولايات المتحدة تُصنِّف ذلك التنظيم إرهابياً، وترصد مكافأة للقبض على زعيمه.. الذي يتولى حالياً رئاسة الجمهورية السورية، ومبررهم.. أن للولايات المتحدة باعاً طويلاً في محاربة التنظيمات المسلحة، في إطار ما يُسمى بالإسلام الجهادي. فكيف تعترف بوضع تسيطر عليه هذه التنظيمات، أو على الأقل تُمثل القوة السائدة فيه؟ 

الحقيقة، أنّ الدهشة من قرارات ترامب الأخيرة بشأن سوريا، تكشف عن نظرة غير متعمّقة للسياسة الأمريكية.. تجاه تلك التنظيمات؛ فالأصل في السياسة الأمريكية المعلنة تجاهها.. هو العداء لها ومحاربتها، ولكننا نعلم – بطبيعة الحال – الطابع البراجماتي أي العملي للسياسة الخارجية الأمريكية، وهو طابع لا تشذ عنه سياستها تجاه تلك التنظيمات، كما يشهد بذلك سجل طويل من التعامل معها وتوظيفها، بل والتفاهم معها.. كلما اقتضت المصلحة الأمريكية ذلك. 

وسوف يعتمد التحليل التالي على الوقائع الموثقة، لأن هناك الكثير من الروايات الرائجة في الاتجاه نفسه، لكن الدليل القاطع عليها.. غير أكيد، وسوف أعرض فيما يلي 4 أمثلة – مهمة وموثقة – أعتقد أنها كافية لإثبات المقولة التي ينطوي عليها هذا التحليل. لم يوجد في السياسة الأمريكية ما يمنع التعامل مع التنظيمات الجهادية المسلحة.. طالما أن ذلك يحقق المصلحة الأمريكية. 

لعل أول واقعة موثقة بالنسبة لي.. تدل على براجماتية التعامل الأمريكي مع التنظيمات الإرهابية، وتوظيفها لخدمة أهداف مشتركة، تمثلت في تقاطع المصلحة الأمريكية في هزيمة التدخل السوفياتي في أفغانستان.. في نهاية سبعينيات القرن الماضي، لحماية النظام الشيوعي آنذاك.. كجزء من معارك الحرب الباردة، مع مصلحة «تنظيم القاعدة» في «محاربة الكفر والإلحاد» – الذي جسَّده الاتحاد السوفياتي – من وجهة نظرهم. وهذا التحالف ثابت.. بتصريحات – مسجلة مرئية ومسموعة – من أسامة بن لادن، مؤسس «تنظيم القاعدة» وزعيمه آنذاك، وكذلك اعترافات مصادر في المخابرات المركزية الأمريكية، وقد كان.. وتحققت المصلحة، ولم تخرج القوات السوفياتية من أفغانستان فحسب – بعد صعود ميخائيل جورباتشوف إلى قمة السلطة السوفياتية في منتصف الثمانينيات – بل وتفكُّك الاتحاد السوفياتي ذاته.. في مطلع العقد الأخير من القرن. 

ويتصل المثال الثاني بالأول، فقد قام «تنظيم القاعدة» – وفقاً للرواية الرسمية الأمريكية – بتنفيذ عملية 11 سبتمبر/أيلول 2001، أي أن السحر قد انقلب على الساحر، فجاء الرد الأمريكي بغزو أفغانستان وإسقاط نظام حكم «طالبان».. باعتباره متستراً على «تنظيم القاعدة»، غير أن حركة «طالبان» – وإن أُزيحت عن السلطة – بقيت تنظيماً قاتل القوات الأمريكية الغازية.. لمدة قاربت العقدين. وفي ظل ولاية ترامب الأولى، تفاوض معها.. بعد أن فشلت القوات الأمريكية في القضاء عليها، وتمّ توقيع الاتفاق الشهير في فبراير/ شباط 2020، الذي يمكن وصفه بأنه اتفاق تسليم أفغانستان لـ«طالبان». ومن لديه أدنى شك في هذا التوصيف، عليه أن يعود إلى نص الاتفاق.. ليكتشف ما هو أعجب من ذلك.  

وخلاصة المثالين – الأول والثاني – أنه من المنظور البراجماتي، لم يوجد في السياسة الأمريكية تجاه التنظيمات الجهادية المسلحة.. ما يمنع من التعامل معها، وكذلك التفاهم بشأن قضايا معينة، ما دام ذلك يحقق المصلحة الوطنية الأمريكية. 

ثم نأتي للمثالين الثالث والرابع؛ فحركة «حماس» تنظيم «إرهابي بامتياز» – من وجهة النظر الأمريكية – ومع ذلك، فقد اضطرت إدارة ترامب إلى التعامل معها؛ بعد أن صمدت في القتال، ونجحت في إخفاء أسراها عن الإسرائيليين.. لمدة زادت عن السنة ونصف السنة، وهكذا انخرط ترامب في مفاوضات مباشرة معها، أفضت إلى نتائج محددة. 

أما المثال الرابع والأخير، فقد يكون الأعجب.. لأنه يتعلق بـ«الحوثيين» – أصحاب السجل البارز في السياسة الأمريكية – فقد صنفهم ترامب في ولايته الأولى.. تنظيماً إرهابياً، ثم جاء جو بايدن فألغى هذا التصنيف.. بدعاوى إنسانية، ليعود ترامب في ولايته الحالية – ومع أيامه الأولى في البيت الأبيض – إلى إعادة تصنيفهم كتنظيمٍ إرهابي. ونتيجة ضجره من انغماسهم في عملية إسناد المقاومة في غزة، قرر توجيه ضربات قاتلة لهم.. بغرض الخلاص منهم. غير أنهم صمدوا، ولم يستطع ترامب القضاء عليهم، فإذا به يفاجئ المنطقة والعالم.. بقرار وقف إطلاق النار معهم، باتفاق يستثني إسرائيل؛ بمعنى أن اتفاقه مع «الحوثيين».. احتفظ لهم بالحق في توجيه ضرباتهم لإسرائيل، وهو ما قاموا به بالفعل.. وما زالوا، والخلاصة أن هذه ليست المرة الأولى.. التي تنخرط فيها السياسة الأمريكية، في تفاهمات واتصالات مع تنظيمات ذات خلفية إرهابية، فلمَ الدهشة إذن؟ 

نقلاً عن «عروبة 22» 

شارك هذه المقالة