عبدالله عبدالسلام
العبارة الشهيرة للرئيس الأمريكي الحالي: «أنا أفهم أفضل من أي شخص في العالم».. أخذت أبعاداً جديدة أخرى. عندما يتحدث في العقارات (مهنته الأصلية) والسياسة والإعلام، وحتى التاريخ والجغرافيا، فإن العالم قد يكون مضطراً إلى الاستماع إليه. إنه رئيس أقوى دولة، ويعتقد أن المنصب يعطيه ميزة قول ما يريد. لكن الأمر يختلف.. عندما يُعطى نصائح طبية، حول أمور تتعلق بصحة الناس، بينما لم يدرس الطب يوماً.
لو أن أحداً غيره.. تحدث في مثل تلك الأمور، دون التأكد من حصوله على شهادة علمية متخصصة، لجرى التحقيق معه ومعاقبته، لكنه – للأسف – الرئيس.
قبل أيام، صرح ترامب بأن تناول النساء الحوامل دواء «الباراسيتامول».. المسكّن للألم، والمعروف تجارياً في أمريكا باسم «تايلينول»، يمكن أن يتسبب في إصابة أطفالهم بالتوحد. العلماء والأطباء سارعوا بتسفيه النصيحة.
وزير الصحة البريطاني ويز ستريتنج قال: «لا تثقوا بكلام ترامب، ولا كلامي. صدقوا الأطباء فقط». الأسباب الدقيقة للتوحد ليست معروفة. ربما عوامل وراثية أو بيئية؛ مثل عمر الزوجين، أو الولادة المبكرة؛ كما يقول الأطباء.. الذين لم يحسموا أمرهم في هذا الصدد. لماذا إذن يتقمص ترامب.. وظيفة كبير الأطباء والحكماء، ويتصدى بجهل.. لهذه القضية الحساسة؟
ليست هذه هي المرة الأولى، التي يوجه فيها ترامب «تعليمات طبية».
… خلال رئاسته الأولى عام 2020، قال إن الحقن بالمطهرات تعالج وباء كورونا. عارض استخدام اللقاحات. وانتقد ارتداء الكمامات.
هناك أسباب شخصية.. تبرر سلوك ترامب هذا الطريق الخطير. يريد إثبات أنه الأذكى، والأكثر علماً.
لكن الرئيس الأسبق باراك أوباما.. فسر الأمر على النحو التالي: «هناك حالياً صراع بين رؤيتين لمستقبل البشرية. الأولى يتبناها أنصار التوجه الديمقراطي.. تقول إن التغيير للأفضل، يأتي من خلال الناس؛ بغضِّ النظر عن عرقهم أو دينهم أو لونهم. الرؤية الأخرى – التي يعتنقها ترامب وتياره المحافظ – ترى أن المكانة الاجتماعية، ودرجة الثراء، وخلفية الشخص الدينية والعرقية.. تلعب الدور الأكبر.
إنها رؤية شديدة العنصرية، لا تعترف بالعلم، وتناهض التقدم. الأخطر، أن ترامب يقول إنه يتحدث باسم الشعب.. قاصدا مؤيديه من المحافظين المتشددين. ليس غريباً أن أوباما وصف ما قاله ترامب – بشأن الباراسيتامول – بأنه اعتداء على الحقيقة، وبالتأكيد.. على العلم، وكل منجزات الحضارة الحديثة.
لوري توملينسون – أستاذة الطب البريطانية – قالت إن الباراسيتامول يتم استخدامه منذ خمسينيات القرن العشرين بأمان.. أثناء فترات الحمل، فمن أين أتى ترامب بهذه النتيجة الخطيرة؟!
… إنه التضليل بعينه، لكن من يروج له – هذه المرة – رئيس أمريكا، صاحب السجل الحافل في الكذب، الذي أعلن – منذ دخوله حلبة السياسة عام 2016 – الحرب على الحقيقة.
خلال وباء كورونا، تسبَّب في تقويض ثقة نسبة معتبرة من الأمريكيين.. في العلم والأطباء، وها هو يواصل مهمته، ويثير الشكوك حول أبحاث.. أجراها علماء بارزون خلال العقود الماضية، وأكدت عدم وجود علاقة بين الباراسيتامول والتوحد؛ أحدثها دراسة سويدية.. جرت العام الماضي على 2.4 مليون طفل.
كنا نعتقد أن ترامب أرعن وكاذب، ومتطرف في السياسة، فإذا بنا نكتشف أنه مشعوذ.. ودجال في العلم والصحة أيضاً.
نقلاً عن «المصري اليوم»