Times of Egypt

ترامب مخادع.. الضربة الأمريكية وما بعدها

M.Adam
عبدالله السناوي 


عبدالله السناوي

لم تنته الحرب.. ولا إيران رفعت الرايات البيضاء.

بدت الضربة الأمريكية لثلاث منشآت نووية.. «نطنز»، و«أصفهان»، و«فوردو» الحصينة في أعماق الجبال، كأنها كلمة النهاية في الحرب الإيرانية الإسرائيلية. 

بانتشاء بالغ وصف الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» تلك الضربة بـ«الرائعة». قال: «إن إسرائيل الآن آمنة». في الوقت نفسه دعا إلى ما أسماه.. «السلام عبر القوة»؛ مستعيراً التعبير نفسه من قاموس رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو». إنه الاستسلام دون قيد، أو شرط.

تصوَّر الإسرائيليون أن التدخل العسكري الأمريكي، يمهد الطريق للتوصل إلى «اتفاق جيد»، أو أن يحصدوا بالمفاوضات.. ما عجزوا عنه بالحرب. ردَّت إيران بموجات من الصواريخ الباليستية على مواقع استراتيجية إسرائيلية. كانت تلك الضربات الأقوى والأعنف منذ بدء المواجهات.

تُخيِّم أشباح الفوضى على الشرق الأوسط.. الذي يريده «نتانياهو» أن يرسم خرائطه من جديد، دون قدرة على حسم أي حرب بمفرده، أو أن يمتلك أي تصور سياسي لليوم التالي في غزة، أو إيران.

كل سيناريو وارد، وكل خطر ماثل في الإقليم كله.

تقاس الحروب بنتائجها السياسية، وما يترتب عليها من معادلات جديدة في الصراع المحتدم.. على مصير الشرق الأوسط. إذا لم نقف مع إيران.. نؤيدها وندعمها، فإن العواقب سوف تكون وخيمة. لم يكن المشروع النووي الإيراني وحده.. هو صلب التدخل العسكري الأمريكي.

أريد به أن يكون مخرجًا سياسياً للمأزق الإسرائيلي المستحكم، أو ترهيب الإيرانيين بضربات أعنف، ومآسٍ أكبر.. إذا لم يقبلوا نوعا من السلام يوافق المتطلبات الإسرائيلية. إذا ما صحت التسريبات الإيرانية المتواترة.. أنه قد جرى نقل اليورانيوم المخصب إلى أماكن أخرى، فإن المعنى أن ما هو سلمي، قد يتحول إلى عمل صريح لإنتاج القنبلة النووية.

 لم يكن التدخل الأمريكي مفاجئا…

إنها متدخلة فعلاً؛ تخطيطاً وخداعاً استراتيجياً، وإمداداً بكل ما تتطلبه الحرب من معلومات استخباراتية، وأسلحة، وذخائر.. دون أن تتورط مباشرة في عملياتها، لكن سير المواجهات لم يصادف التوقعات والحسابات المسبقة.

في الضربة الافتتاحية، قصفت إسرائيل عدداً كبيراً من المنشآت النووية، اغتالت – مرة واحدة – قيادات عسكرية، وعلماء من الوزن الثقيل، وبدا البلد كله مخترقاً ومنكشفا.

رغم الهزة العنيفة في مراكز القيادة والسيطرة، فاجأت إيران العالم كله بقدرتها على الإحلال القيادي، وسرعة ردة الفعل.. في مساء نفس اليوم.

ثم فاجأته بأجيال جديدة ومتنوعة من صواريخ «الفرط صوتية»، القادرة على اجتياز منظومات الدفاع الجوي، والوصول إلى أهداف استراتيجية وأمنية وعسكرية واقتصادية حساسة.

استدعى ذلك إلحاحًا إسرائيلياً علنياً على «ترامب».. للدخول المباشر في الحرب، كما لو لم يكن هناك ترتيبات.. متفق عليها بأدق التفاصيل.

أعطى «ترامب» انطباعاً قوياً.. بأن نوازعه تدعوه إلى دعم إسرائيل إلى أقصى مدى ممكن، غير أن الروادع تمنعه من إصدار قرار بالتدخل.

فالانخراط المباشر بالحرب.. يناقض تعهداته، التي انتخب على أساسها. ويناقض إرادة أغلبية الرأي العام الأمريكي، الذي يرفض التورط في أي حروب.

وفق استطلاعات الرأي العام الحديثة – التي أجرتها شركة «يو جوف» البريطانية – فإن (16%) فقط يؤيدون التدخل، فيما يعارضه (60%). تبلغ نسبة المعارضة داخل حزبه الجمهوري (51%) مقابل (23%).

التقارير الاستخباراتية.. حذرته من العواقب والتداعيات، التي قد تضرب المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، فضلاً عن الكلفة الاقتصادية الباهظة لأي تدخل؛ خاصة إذا أغلقت إيران مضيق هرمز.. بالغ الأهمية في نقل النفط والغاز.

رغم ذلك كله مضى بمقامرته السياسية والعسكرية.. إلى آخر المطاف، ضارباً عرض الحائط بكل المخاوف والحسابات.

قبل الضربة الأمريكية، أبلغ «ترامب» كبار معاونيه بموافقته على خطة التدخل، لكنه أرجأ القرار الأخير لأسبوعين.. حتى يمكنه التعرف على فرص تخلي طهران عن برنامجها النووي.

فتح المجال واسعاً لاتصالات ورسائل دبلوماسية إلى إيران.. عبر قنوات شبه علنية: «أن الحل السياسي ما زال ممكناً«.

أبدت إيران تأهبها لذلك الخيار، بشرط وحيد.. هو وقف الهجوم الإسرائيلي.

هكذا خدع الجميع بلا استثناء، وقد يدفع حزبه ثمن تلك المقامرة.. في الانتخابات النصفية المقبلة.

إثر عودته من قمة السبع الكبار، قال نصاً: «لقد نفذ صبرنا».. ملوحاً باغتيال المرشد الإيراني «علي خامنئي». لم يكن هناك معنى لذلك التصريح، سوى أن التدخل العسكري وشيك لا محالة.

بعد وقت وجيز، أطلق تصريحات عكسية، تنفي أي استعداد لديه.. بالانخراط المباشر في الحرب، فهو رجل سلام.. جاء إلى منصبه لإنهاء كل الحروب، كما قال حرفياً.

لم يُخفِ تطلعه للحصول على جائزة نوبل للسلام، أو أن يكون خامس رئيس أمريكي في التاريخ يحصل عليها، بعد «ثيودور روزفلت»، و«وودرو ويلسون»، و«جيمي كارتر»، و«باراك أوباما«.

هو رجل مربك ومرتبك.. يصعب توقعه، يقول الشيء وعكسه.. في خطاب واحد. في البيت الأبيض، فاجأ «نتانياهو» أمام الكاميرات.. بإعلان أنه قد فتح حواراً مع إيران، للتوصل إلى اتفاق بشأن المشروع النووي.

كانت تلك إهانة بالغة لحليف استراتيجي مقرَّب، لكنه واصل التنسيق معه بأدق التفاصيل. «إننا نتهاتف يومياً«.

ثم ذهب في مدح «نتنياهو» إلى حدود غير متخيلة، وهو يزعم أنه رجل سلام. وصفه بعبارات يصعب أن يصدقها أحد في العالم، ولا داخل أسرته نفسها: «إنه رجل طيب وخيِّر، لا يجد الإنصاف من بلده«.

بالتوصيف القانوني والسياسي، فإنه يتحدث عن رجل متهم من المحاكم الدولية.. بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.

في الدعوة إلى إنصافه، تبَنَّ لسياساته وجرائمه. 

إنه انتهاك كامل لأية قيمة إنسانية، وانتهاك آخر للصفات والمعاني.

من يصدق الآن.. رئيساً مخادعاً؟!

نقلاً عن «الشروق» 

شارك هذه المقالة