عبدالله عبدالسلام
في 24 مايو الماضي، أعلن ترامب – خلال جولته الخليجية – نهاية السياسة الأمريكية.. التي سادت منذ بداية القرن الحالي، واستهدفت تغيير الأنظمة، وإعادة بناء الدول في الشرق الأوسط. وقال: «لن نعطيكم محاضرات في كيفية العيش. في النهاية، دمر من أسموا أنفسهم (بناة الدول) دولاً.. أكثر مما بنوا، وتدخلوا في مجتمعات معقدة، لم يحاولوا حتى فهمها. على شعوب المنطقة، رسم مصائرهم بأنفسهم». أحد الخبراء السياسيين قال: إنه تخيل المتحدث فرانتز فانون – المفكر الماركسي نصير العالم الثالث.. الذي ناضل ضد العنصرية والتمييز – وليس ترامب.
بعد أقل من شهر، ابتلع ترامب كلامه، وطالب إيران بالاستسلام. تبنى مخططات نتنياهو بالكامل، التي لا تقف عند تفكيك البرنامج النووي والصواريخ الباليستية، بل تغيير النظام أيضاً. كرر تصريحات رئيس وزراء إسرائيل.. دون أن يتذكر – أو يُذكره أحد مساعديه – أنه قال العكس قبل أسابيع.
أدان الرؤساء الأمريكيين الذين تورطوا في كوارث «إعادة بناء الدول»، إلا أنه يتجه لارتكاب نفس الجريمة.. ولكن بشكل أكثر سوءاً. ليست لديه رؤية واضحة عما يمكن أن يحدث.. بعد إسقاط النظام الإيراني. تماماً مثل نتنياهو، الذي يرى أن تدمير النظام غاية في حد ذاته، وأنه لا مصلحة له في مستقبل إيران، سوى إضعاف وزعزعة استقرار منافس إقليمي.
لم يفكر ترامب أن إسرائيل فعلت ذلك مرات عدة – كما يقول الكاتب البريطاني بيتر بومنت – عندما دعمت حماس للانقلاب على فتح. وقبل ذلك، أنشأت جيش لبنان الجنوبي لتقسيم لبنان. وها هو نتنياهو يقوم الآن بتسليح عصابات جريمة منظمة.. لحكم غزة بعد حماس.
التصور الأمريكي والإسرائيلي الآن، هو تدمير قدرات النظام الإيراني، الأمر الذي يجعل الشعب ينتفض ضده. نتنياهو يعتقد أنه لو أتيحت الفرصة، فإن 80% من الإيرانيين سيقومون بطرد «البلطجية الدينيين». نفس الكلام قاله «المحافظون الجدد».. قبيل غزو أفغانستان والعراق. بل إن عبارة إعادة تشكيل خريطة المنطقة ترددت كثيراً آنذاك.
ماذا حدث؟
فشلت جهود بناء الدولة في العراق، واشتعلت حرب أهلية. وعادت طالبان للقتال.. إلى أن طردت الأمريكيين عام 2021. في ليبيا، كان شعار تغيير النظام، وإعادة بناء الدولة حاضراً خلال ثورات الربيع العربي. لم تفشل خطط أمريكا فحسب، بل إن تداعياتها لا تزال مستمرة، ومتمثلة في الفوضى الدموية الراهنة.
مع إيران، ستكون الكارثة.. عشرة أضعاف ما حدث بالعراق وليبيا وأفغانستان. بعدد سكان يبلغ 92 مليوناً، وتركيبة سكانية معقدة، وكميات لا حصر لها من الأسلحة؛ يمكننا أن نتصور الزلزال المدمر.. الذي سيضرب إيران والمنطقة بأكملها، والمصالح الأمريكية والإسرائيلية أيضاً.
ثم إن المعارضين الإيرانيين داخل البلاد – وليس الجماعات الممولة من الخارج.. كأنصار الملكية وجماعة مجاهدي خلق – لا علاقة لهم بترامب أو نتنياهو، وسيكون ارتباطهم بهما.. وصمة عار؛ بأنهم يريدون الوصول للحكم من فوق دبابة إسرائيلية.
ما لا تدركه أمريكا – وإسرائيل أيضاً – أن حرب إسقاط النظام الإيراني.. يمكن أن تُضفي شرعية عليه، وتساعده على المقاومة، خاصة إذا كانت مستندة على أيديولوجيا دينية.
إسقاط النظام ليس حلاً، وليس سهلاً على الإطلاق.
نقلاً عن «المصري اليوم»